Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 11-14)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِي أَوْلَـٰدِكُمْ } أي يبين الله لكم ميراث أولادكم كما بين قسمة المواريث ، يعني إذا مات الرجل أو المرأة ، وترك أولاداً ذكوراً وإناثاً [ يكون ] { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلأُنْثَيَيْنِ } يعني لكل ابن سهمان ، ولكل بنت سهم . وروى ابن أبي نجيح ، عن عطاء قال : كان ابن عباس يقول : كان الميراث للولد وكانت الوصية للوالدين والأقربين ، فنسخ الله من ذلك ما أحب : فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين ، وجعل للوالدين لكل واحد منهما السدس ، وللمرأة الثمن أو الربع ، وللزوج النصف أو الربع . ثم قال تعالى : { فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } يعني إذا ترك الميت بناتاً ولم يترك أبناء ، فللبنات إن كن اثنتين فصاعداً ، { فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ } من الميراث ولم يذكر في الآية حكم البنتين ولكن أجمع المسلمون ، ما خلا رواية عن ابن عباس أنه قال : للاثنتين النصف كما كان للواحدة ، وللثلاث بنات الثلثان . وأما سائر الصحابة فقد قالوا : إن للاثنتين الثلثين ، وبذلك جاء الأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روى جابر بن عبد الله قال : " جاءت امرأة [ سعد ] بن الربيع بابنتيها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هاتان ابنتا سعد ، وقد قتل أبوهما معك يوم أحد شهيداً ، وإن عمهما أخذ مالهما ، ولم يدع لهما مالاً ولا تنكحان إلا ولهما مال فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سيقضي الله ذلك ، فأنزل الله تعالى آية الميراث فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عمهما وقال : أعط لابنتي سعد الثلثان ، واعط أمهما الثمن ، والباقي لك " ، ثم قال تعالى : { وَإِن كَانَتْ وٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنّصْفُ } يعني إن ترك الميت بنتاً واحدةً فلها النصف من الميراث والباقي للعصبة بالخبر . قرأ نافع : ( وإن كانت واحدة ) بالرفع على اسم كانت ، وقرأ الباقون : بالنصب على معنى الخبر ، ويكون الاسم فيه مضمراً . ثم قال تعالى : { وَلأَِبَوَيْهِ لِكُلّ وٰحِدٍ مّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ } الميت من المال ، { إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ } ذكر أو أنثى ، أو ولد الإبن ، { فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ } للميت { وَلَدَ } ولا ولد ابن { وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ } يعني إن لم يكن للميت وارث سوى الأبوين { فَلأُمّهِ ٱلثُّلُثُ } يعني للأم ثلث المال والباقي للأب . قرأ حمزة والكسائي : ( فلإمه ) بكسر الألف ، لكسر ما قبله ، وقرأ الباقون بالضم ثم قال تعالى : { وَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِهِ ٱلسُّدُسُ } يعني ، إذا كان للميت إخوة ، وقد اتفق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن اسم الإخوة يقع على الاثنين فصاعداً ، إلا في قول ابن عباس : ثلاثة فصاعداً ، واتفقوا أن الذكور والإناث فيه سواء فيكون للأم السدس ، والباقي للأب : { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ } يعني أن قسمة المواريث من بعد وصية { يُوصِي بِهَا } الميت { أَوْ دَيْنٍ } يعني بعد قضاء الدين ، وإنفاذ الوصية . وروى الحارث عن علي - رضي الله عنه - قال : قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدين قبل الوصية وأنتم تقرؤون { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ } يعني ، إن في الآية تقديماً وتأخيراً وروي عن ابن عباس : هكذا . قرأ ابن كثير ، وابن عامر وعاصم ( يوصى بها ) على فعل ما لم يسم فاعله ، وقرأ الباقون : ( يوصي بِها ) يعني الميت إن كان يوصي بها أو عليه دين . ثم قال تعالى : { آبَاؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } يعني في الآخرة إذا كان أحدهما أرفع درجة من الآخر ، يسأل الله تعالى ، حتى يرفع إليه الآخر لتقر عينه به فقال : { لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً } يعني أيهم أرفع درجة فيلتحق به صاحبه . ويقال : معناه إن الله علمكم قسمة المواريث ، وأنكم لا تدرون أيهم أقرب ( لكم نفعاً حتى تعطوه حصته ويقال : لا تدرون أيهم أقرب ) موتاً فيرث منه الآخر . ثم قال تعالى : { فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ } يعني بيان قسمة المواريث من الله تعالى ، ويقال : القسمة فريضة من الله تعالى ، لا يجوز تغييرها عما أمر الله به ، ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً } بالمواريث { حَكِيماً } حكم قسمتها وبينها لأهلها . وقال الزجاج : معناه ، وكان الله عليماً بالأشياء قبل خلقها ، حكيماً فيما يقرر بتدبيره منها . وقال بعضهم : لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال ، فالخبر منه بالماضي ، كالخبر منه بالاستقبال . وقال سيبويه : كان القوم شاهدوا علماً وحكماً فقيل لهم : إن الله كان عليماً كذلك لم يزل على ما شاهدتم . ثم قال تعالى : { وَلَـٰكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوٰجُكُمْ } إذا ماتت المرأة فتركت زوجاً ، فللزوج النصف { إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ } ذكراً أو أنثى ، أو ولد ابن ، { فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ } أو ولد ابن فللزوج الربع { فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ } مما تركت المرأة { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } ثم قال : { وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَآ أَوْ دَيْنٍ } يعني إذا مات الزوج وترك امرأة فللمرأة الربع { إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ } ولا ولد ابن { فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ } فإن كان للميت ولد وولد ابن { فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ } سواء كان له امرأة واحدة ، أو أربع نسوة ، فلهن الربع بغير ولد ، والثمن مع الولد [ أو مع ولد الابن ] لأنه قال : ولهن الربع فجعل حصتهن الربع أو الثمن ، ثم قال : { مِمَّا تَرَكْتُم مّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } ثم قال : { وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَـٰلَةً } والكلالة ما خلا الوالد والولد . ويقال : هو اسم الميت الذي ليس له ولد ولا والد . قال أبو عبيدة : هو مصدر من تكله النسب ، أي أحاط به ، والأب والابن طرفا الرجل ، فيسمى لذهاب طرفيه كلالة . وقرأ بعضهم : ( يورث ) بكسر الراء . قال أبو عبيدة : من قرأ ( يورث ) بكسر الراء ، جعل الكلالة الورثة ومن قرأ بنصب الراء جعل الكلالة الميت . وروى الشعبي عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - أنهما قالا : الكلالة من لا ولد ولا والد . وروي عنهما أيضاً أنهما قالا : الكلالة ما سوى الولد والوالد . قوله تعالى : { أَو ٱمْرَأَةٌ } يعني إن كانت الكلالة هي امرأة ثم قال تعالى : { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلّ وٰحِدٍ مّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ } من الميراث { فَإِن كَانُواْ أَكْثَرَ مِن ذٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي ٱلثُّلُثِ } يعني الإخوة من الأم وقد أجمع المسلمون أن المراد ها هنا الإخوة من الأم ، لأنه ذكر في آخر السورة أن للأختين الثلثين ، ففهموا أن المراد ها هنا الإخوة من الأم ثم قال : { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } وقد ذكرناه { غَيْرَ مُضَارّ وَصِيَّةً مِّنَ ٱللَّهِ } يعني غير مضار للورثة فيوصي بأكثر من الثلث ، { وَصِيَّةً مّنَ ٱللَّهِ } يعني أن تلك القسمة فريضة من الله { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } يعني علم بأمر الميراث { حَلِيمٌ } على أهل الجهل منكم . " وقال عليه الصلاة والسلام من قطع ميراثاً فرضه الله قطع الله ميراثه من الجنة " وقرأ بعض المتقدمين ( والله عليم حكيم ) . يعني ، حكم بقسمة الميراث والوصية ، ثم قال : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } يعني هذه فرائض الله ، مما أمركم به من قسمة المواريث ، ويقال : تلك أحكام الله ، وتلك بمعنى هذه ، يعني هذه أحكام الله قد بينها لكم لتعرفوا وتعملوا { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في قسمة المواريث ، فيقربها ، ويعمل بها كما أمره الله { يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } أي ذلك الثواب هو الفوز العظيم إلى النجاة الوافرة . قوله تعالى : { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في قسمة المواريث ، فلم يقسمها ، ولم يعمل بها { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } أي خالف أمره { يُدْخِلْهُ نَاراً خَـٰلِداً فِيهَا } لأنه إذا جحد صار كافراً { وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } يهان فيه . قرأ نافع وابن عامر ( ندخله ) كلاهما بالنون على معنى الإضافة إلى نفسه ، وقرأ الباقون : كلاهما بالياء لأنه سبق ذكر اسم الله تعالى .