Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 135-137)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ } أي كونوا قوامين بالعدل ، وأقيموا الشهادة لله بالعدل ، ومعناه قولوا الحق { وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ } أي وإذا كانت عندكم شهادة فأدوا الشهادة ولو كانت الشهادة على أنفسكم { أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ } ثم قال : { إِن يَكُنْ غَنِيّاً ، أَوْ فَقَيراً } أي أدوا الشهادة لا تكتموها سواء كان لغني أو لفقير ، ولا تميلوا إلى الغني لأجل غناه ، ولا تكتموا الشهادة على الفقير لأجل فقره ، ويقال : اشهدوا على الوالدين ، كانا غنيين أو فقيرين ، { فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } أي بالغني وبالفقير . ويقال : أولى بالوالدين وأرحم بهما ، إن كانا غنيين ، أو فقيرين ثم قال : { فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ } أي لا تشهدوا بهواكم ، ولكن اشهدوا على ما شهدتم عليه ، ثم قال تعالى : { أَن تَعْدِلُواْ } يعني أولى بهما أن تعدلوا على وجه التقديم والتأخير ، ويقال فلا تتبعوا الهوى ، أن لا تعدلوا . وقال مقاتل : يعني فلا تتبعوا الهوى للقرابة ، واتقوا الله أن تعدلوا عن الحق إلى الهوى ، وقال تعالى : { وَإِن تَلْوُواْ } أي تحرفوا الشهادة وتلجلجوا بها ألسنتكم ، فلا تقيموها على الوجه ، لتبطل به الشهادة ، { أَوْ تُعْرِضُواْ } عنها فلا تشهدوا بها عند الحاكم . قرأ حمزة وابن عامر : ( وأن تلوا ) بواو واحدة ، يعني من الولاية ، يعني أقيموا الشهادة إذا وليتم ، وقرأ الباقون : ( تولووا ) بواوين من التحريف . { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ } من كتمان الشهادة وإقامتها { خَبِيراً } يعني عالماً ، فهذا تهديد للشاهد ، لكيلا لا يقصروا ، في أداء الشهادة ولا يكتموها . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليقم شهادته على من كانت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يجحد لحق هو عليه بل يؤده ، ولا يلجئه إلى السلطان والخصومة " قوله تعالى : { خَبِيراً يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ، ءامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قال الضحاك : يعني أخبار أهل الكتابين ، الذين آمنوا بموسى وعيسى آمنوا بالله ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وقال في رواية الكلبي : نزلت في عبد الله بن سلام ، وأسيد وأسد ابني كعب ، وثعلبة ابن قيس وغيرهم ، قالوا : يا رسول الله ، نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة وبعزير ، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل . فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : " بل آمنوا بالله ورسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وكتابه القرآن وبكل كتاب كان من قبل " ، فنزلت هذه الآية { يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ : ءامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ ، وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِي أَنَزلَ مِن قَبْلُ } . ويقال : { يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } خاطب به جميع المؤمنين ، آمنوا بالله يعني اثبتوا على الإيمان ، وقال : { يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } يعني يوم الميثاق { ءامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } ويقال : نزلت في شأن أهل الكتاب ، لأنه علم أن فيهم من يؤمن ، فلقربهم من الإيمان ، سماهم مؤمنين كما قال : { إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } [ الدخان : 24 ] وكانوا لم يغرقوا بعد . ويقال : إنهم كانوا يقولون نحن مؤمنون ، فقال لهم : { يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي بزعمهم ، كما قال : { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] أي بزعمه . قرأ نافع ، وعاصم عن حمزة ، والكسائي : { وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ } بنصب النون والزاي ، { وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلَّذِي نَزَّلَ } بنصب الألف ، وقرأ الباقون : ( نزل ) بضم النون وكسر الزاي ، ونزل وأنزل ، بضم الألف على معنى فعل ما لم يسم فاعله . ثم قال : { وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } أي من يجحد بوحدانية الله تعالى ، وملائكته أنهم عبيده ، وبرسله أنهم أنبياؤه ، وعبيده ، وبالبعث بعد الموت { فَقَدْ ضَلَّ } عن الهدى { ضَلَـٰلاً بَعِيداً } عن الحق . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ، ثُمَّ كَفَرُواْ ، ثُمَّ ءامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ } قال مقاتل : يعني آمنوا بالتوراة وبموسى - عليه السلام - ثم كفروا من بعد موسى ، ثم آمنوا بعيسى - عليه السلام - والإنجيل ، ثم كفروا من بعده { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن . ويقال : إن الذين آمنوا بموسى ، ثم كفروا بعيسى ، ثم آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - من قبل أن يبعث ، ثم كفروا به بعدما بعث ثم ازدادوا كفراً ، يعني ثبتوا على كفرهم . وقال في رواية الكلبي : آمنوا بموسى - عليه السلام - ثم كفروا به بعده ، ثم آمنوا بعزير ، ثم كفروا بعيسى ، ثم ازدادوا كفراً ، يعني بمحمد - صلى الله عليه وسلم - . وقال في رواية الضحاك : نزلت في شأن أبي عامر الراهب ، وهو الذي بنى مسجد الضرار ، آمن بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم كفر ، ثم آمن ، ثم [ كفر ] ومات على كفره . وقال الزجاج : يجوز أن يكون محارباً آمن ثم كفر ثم آمن ثم كفر ، ويجوز أن يكون منافقاً أظهر الإيمان وأبطن الكفر ، ثم آمن ثم كفر ثم ازداد كفراً بإقامته على النفاق ، فإن قيل : إن الله تعالى لا يغفر كفراً مرة واحدة ، فأيش الفائدة في قوله : { ءامَنُواْ ، ثُمَّ كَفَرُواْ ، ثُمَّ ءامَنُواْ ، ثُمَّ كَفَرُواْ } ؟ قيل له : لأن الكافر إذا أسلم فقد غفر له ما قد سلف من ذنبه ، فإذا كفر بعد إيمانه ، لم يغفر الله له الكفر الأول ، فهو مطالب بجميع ما فعل في كفره الأول ، فذلك قوله عز وجل : { لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } يعني إذا ماتوا على كفرهم { وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } أي لا يوفقهم طريقاً .