Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 138-140)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال تعالى : { بَشّرِ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } وذلك أنه لما نزل قوله تعالى : { لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [ الفتح : 2 ] . فقال المؤمنون : هذا لك ، فما لنا ؟ فنزل قوله تعالى : { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ فَضْلاً كِبِيراً } [ الأحزاب : 47 ] ، فقال المنافقون : فما لنا ؟ فنزل قوله تعالى : { بَشّرِ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } { بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } في الآخرة . ثم نعت المنافقين فقال : { ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ } يعني اليهود { أَوْلِيَاء } في العون والنصرة { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ثم عيرهم بذلك فقال { أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ } يعني يطلبون عندهم المنعة ، والظفر على محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . العزة في اللغة : المنفعة والغلبة كما يقال : من عز بزا ، أي من غلب سلب ، ويقال : عز الشيء ، إذا اشتد وجوده . ثم ذكر أنه لا نصرة لهم من الكفار ، والنصرة من الله تعالى ، فقال : { فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } يعني الظفر والنصر كله من الله تعالى ، وهذا كما قال في آية أخرى : { وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ المنافقون : 8 ] . ثم قال : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَـٰبِ } وذلك أن المشركين بمكة كانوا يستهزئون بالقرآن ، فنهى الله تعالى المسلمين عن القعود معهم ، وهو قوله : { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِىۤ ءَايَـٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } [ الأنعام : 68 ] إلى قوله : { فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } [ الأنعام : 68 ] فامتنع المسلمون عن القعود معهم ، فلما قدموا المدينة كانوا يجلسون مع اليهود والمنافقين وكان اليهود يستهزئون بالقرآن فنزلت هذه الآية : { فَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَـٰبِ } يعني في سورة الأنعام : { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا } أي يجحد بها ، { وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ } أي حتى يأخذوا في كلام أحسن ، ثم قال تعالى : { إِنَّكُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ } يعني لو جلستم معهم كنتم معهم في الوزر وفي هذه الآية دليل : أن من جلس في مجلس المعصية ، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية أو عملوا بها ، فإن لم يقدر بأن ينكر عليهم ، ينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية . وروى جويبر عن الضحاك ، أنه قال : دخل في هذه الآية كل محدث في الدين ، وكل مبتدع إلى يوم القيامة . قرأ عاصم { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ } بنصب النون والزاي ، وقرأ الباقون : بضم النون ، وكسر الزاي على فعل ما لم يسم فاعله . ثم قال تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ وَٱلْكَـٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً } يعني إذا ماتوا على كفرهم ، ونفاقهم فبدأ بالمنافقين ، لأنهم شر من الكفار ، وجعل مأواهم جميعاً النار . وقال في رواية الكلبي : قوله تعالى : { فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } نسخ بقوله عز وجل : { وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ } [ الأنعام : 69 ] وقال عامة المفسرين : إنها محكمة ، وليست بمنسوخة . ثم أخبر عن المنافقين .