Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 153-158)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ أَن تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ كِتَـٰباً مّنَ ٱلسَّمَاء } يعني جملة واحدة كما جاء به موسى - عليه السلام - ويقال : إن كعب بن الأشرف وفنحاص بن عازوراء وأصحابهما قالوا : لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كتاباً تحمله الملائكة إلينا فتقرؤه ، قال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - { فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ } ، يعني إن هؤلاء ، من أصل أولئك القوم الذين { فَقَالُواْ } لموسى عليه السلام { أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً } يعني عياناً ، وهم القوم الذين ساروا مع موسى عليه السلام إلى طور سيناء { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ } أي أحرقتهم النار { بِظُلْمِهِمْ } أي بقولهم وسؤالهمن { ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ } أي ومع ذلك قد عبدوا العجل ، وهم قوم موسى في حال غيبته { مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ } أي جاءهم موسى بالآيات والعلامات { فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ } كله ولم نستأصلهم { وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً } أي حجة بينة ، وهي اليد والعصا { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ } يقول : قلعنا فوقهم { ٱلطُّورَ بِمِيثَـٰقِهِمْ } يعني بإقرارهم بما في التوراة حين أبوا أن يتقبلوا الشرائع . { وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً } يعني باب أريحة منحنية أصلابهم ، { وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ } يقول : لا تستحلوا أخذ السمك في يوم السبت قرأ نافع في رواية ورش : ( لا تعدوا ) بالتشديد ، لأن أصله لا تعتدوا ، فأدغم التاء في الدال وأقيم التشديد مقامه ، وقرأ الباقون { لا تعدوا } : بالتخفيف من عدا ، يعدو ، عدواناً . ثم قال تعالى : { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَـٰقاً غَلِيظاً } يعني إقراراً وثيقاً شديداً في التوراة ، يعني تركوا هذه الأشياء كلها ، ونقضوا الميثاق ، ثم قال عز وجل : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَـٰقَهُمْ } ولم يذكر في هذه الآية جوابهم ، والجواب فيه مضمر ، فكأنه قال : وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً ، فبنقضهم الميثاق لعنهم الله تعالى ، وخذلهم ، كقوله : { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ } [ المائدة : 13 ] ثم قال : { وَكُفْرِهِم بَـآيَـٰتِ ٱللَّهِ } يعني بكفرهم بآيات الله لعنهم الله وخذلهم . ثم قال تعالى : { وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ } يعني وبقتلهم الأنبياء بغير جرم { وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ } يعني ذا غلاف ولا نفقه حديثك ، وقرأ بعضهم [ غلف ] بضم اللام ، وجماعة الغلاف ، يعني أن قلوبنا أوغية لكل علم ، ولا نفقه حديثك ، قال الله تعالى : { بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا } يعني ختم الله على قلوبهم { بِكُفْرِهِمْ ، فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي لا يؤمنون إلا قليل منهم ، ويقال : لا يؤمنون إلا بالقليل ، لأنهم آمنوا ببعض ، وكفروا ببعض ، وقال مقاتل : يعني ، ما أقل ما يؤمنون ، يقول : بأنهم : لا يؤمنون البتة . ثم قال تعالى : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَـٰناً عَظِيماً } وذلك أن مريم كانت متعبدة لله تعالى ، ناسكة ، اصطفاها الله تعالى بولد بغير أب فعيرها اليهود ، واتهموها ، وقذفوها بيوسف بن ماثان ، وكان يوسف خادم بيت المقدس ، ويقال : كان ابن عمها ، فأنزل الله تعالى إكذاباً لقولهم وبين بهتانهم ، فقال : { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَـٰناً عَظِيماً } يعني لعنهم الله وخذلهم بذلك { وَقَوْلِهِمْ } أي وبقولهم : { إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ } هذا قول الله ، لا قول اليهود ، وقول اليهود : إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم ، ثم قال الله تعالى : { رَسُولِ ٱللَّهِ } يعني الذي هو رسول الله وذلك أن اليهود ، لما اجتمعوا على قتله ، هرب منهم ودخل في بيت فأمر ملك اليهود رجلاً يدخل البيت يقال له : يهوذا ويقال : ططيانوس فجاء جبريل - عليه السلام - ورفع عيسى - عليه السلام - إلى السماء ، فلما دخل الرجل إلى البيت لم يجده ، فألقى الله شبه عيسى عليه ، فلما خرج ظنوا أنه عيسى فقتلوه ، وصلبوه ، ثم قالوا إن كان هذا عيسى فأين صاحبنا ؟ وإن كان هذا صاحبنا ، فأين عيسى ؟ فاختلفوا فيما بينهم فأنزل الله تعالى إكذاباً لقولهم فقال : { وَمَا قَتَلُوهُ ، وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبّهَ لَهُمْ } يعني ألقي شبه عيسى على غيره فقتلوه ، ثم قال { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكّ مّنْهُ } أي من قتله { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ } يعني لم يكن عندهم علم يقين أنه قتل أو لم يقتل { إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنّ } أي قالوا قولاً بالظن { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } أي لم يستيقنوا بقتله ويقال يقيناً ما قتلوه { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ } وقال مقاتل : بل رفعه الله إلى السماء في شهر رمضان ليلة القدر ، وقال الضحاك : رفعه في يوم عاشوراء ، بين صلاتي المغرب والعشاء ، ثم قال تعالى : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً } أي منيعاً حين منع عيسى من القتل { حَكِيماً } حين حكم رفعه إلى السماء .