Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 24-25)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال تعالى : { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنّسَاء } قال في رواية الكلبي وفي رواية الضحاك ، يعني ذوات الأزواج حرام عليكم { إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } من سبايا ، فإذا ملك الرجل امرأة لها زوج في دار الحرب ، واستبرأ رحمها بحيضة ، فهي حلال له وهذا موافق لما روي عن أبي سعيد الخدري : إن المسلمين أصابوا يوم أوطاس سبايا لهن أزواج من المشركين ، فتأثم المسلمون منهن وقالوا : لهن أزواج ، فأنزل الله تعالى { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَـٰنُكُمْ } يقول : ما أفاء الله عليكم من ذلك وإن كان لهن أزواج من المشركين ، فلا بأس بأن يأتيها الرجل ، إذا استبرأ رحمها . وقال في رواية مقاتل : { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنِّسَاءِ } يعني ، كل امرأة ليست تحتكم فهي حرام عليكم ، ثم استثنى من المحصنات فقال : إلا ما ملكت إيمانكم ، يعني إلا ما قد تزوجتم من النساء مثنى وثلاث ورباع قوله : { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } أي : هذا ما حرم عليكم في الكتاب ، ويقال : { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } معناه : هذا الذي يقرأ عليكم هو كتاب الله تعالى فاتبعوه ، ولا تخالفوه . وقال الزجاج : { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } منصوب على التأكيد ، محمول على المعنى ، لأن معناه : حرمت عليكم أمهاتكم ، كتب الله عليكم هذا كتاباً ، ويجوز أن يكون منصوباً على جهة الأمر ، كأنه قال : الزموا كتاب الله ، فيكون عليكم مفسراً له . ثم قال تعالى : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } يقول : رخص لكم ما سوى ذلكم فالله تعالى قد ذكر ما حرم في هذه الآية من قوله : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ } أربع عشرة من المحرمات ، سبع بالنسب وسبع بالسبب ثم بين المحللات فقال : { وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ } يعني ما سوى هذه الأربع عشرة التي ذكر في هذه الآية ، فلو كان الأمر على ظاهر هذه الآية ، لكان يجوز ما سوى ذلك إلا أنه قد جاء الأثر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب " ، وقال : " لا تنكح المرأة على عمتها ، ولا خالتها " ، فوجب اتباعه ، لأن الله تعالى قال : { وَمَآ ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [ الحشر : 7 ] . قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص ، ( وأحل لكم ) بضم الألف ، وقرأ الباقون : بالنصب فمن قرأ بالضم ، لأنه عطف على قوله : { حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ } ، ومن قرأ بالنصب لأنه نسق على قوله : { كِتَـٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ } ثم قال تعالى : { أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوٰلِكُمْ } يعني أن تتزوجوا بأموالكم ، ويقال : تشتروا بأموالكم الجواري { مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَـٰفِحِينَ } يقول : كونوا متعففين من الزنا غير زانين { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } قال مقاتل : يعني به المتعة أي فما استمتعتم منهن إلى أجل مسمى ، { فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } أي أعطوهن ما شرطتم لهن من المال . وإنما كانت إباحة المتعة في بعض المغازي ثم نهي عن ذلك . وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى . وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال ما كانت المتعة إلا رحمة ، رحم الله بها هذه الأمة ولولا نهي عمر عنها ، ما زنى إلا شقي . وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : إنما رخص في المتعة في بعض المغازي ثم نسختها آية الطلاق والميراث والعدة . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : { فَمَا ٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ } قال : النكاح فآتوهن أجورهن ، يعني مهورهن . وقال في رواية الكلبي : فما استمتعتم به منهن بعد النكاح فآتوهن أجورهن ، أي مهورهن { فَرِيضَةً } لهن عليكم . وقال الضحاك : ( فما استمتعتم به منهن ) أي ، فما تزوجتم بهن فأعطوهن مهورهن . { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ ٱلْفَرِيضَةِ } قال بعضهم : يعني المتعة ، قبل أن تنسخ أجاز لهما أن يتراضيا على زيادة الأجل والمال ، وقال بعضهم : يعني المهر ، لا جناح على الزوجين أن يتراضيا بعد النكاح على زيادة المهر . { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً } فيما رخص لكم من نكاح الأجانب { حَكِيماً } فيما حرم عليكم من ذوات المحارم . ثم قال تعالى : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً } أي غنى ، يقول : من لم يجد منكم سعة في المال { أَن يَنكِحَ ٱلْمُحْصَنَـٰتِ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } يعني الحرائر ، فليتزوج الإماء فذلك قوله { فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم } من الإماء . ويقال : من لم يستطع منكم طولاً ، يعني من لم يكن له منكم مقدرة على الحرة ، فليتزوج الأمة ، يعني إذا لم يكن له امرأة حرة . وقد قال بعض الناس : إذا كان للرجل من المال مقدار ما يمكنه أن يتزوج بالحرة ، لا يجوز أن يتزوج الأمة . وفي قول علمائنا : يجوز إذا لم يكن عنده امرأة حرة لأنه لو صرف إلى ذلك الوجه لا يضر ، لأن كل مال يمكن أن يتزوج به الأمة . يمكن أن يتزوج به الحرة ، ولكن معناه كون الحرة عنده أفضل ثم قال تعالى : { مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } يعني يتزوج الأمة المسلمة . وقال بعض الناس : لا يجوز أن يتزوج أمة يهودية أو نصرانية لأن الله تعالى قال { مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } . وفي قول علمائنا : يجوز نكاح الأمة اليهودية والنصرانية ، وذكر المؤمنات ليس بشرط ، أنه لا يجوز غيرها ، وهذا بمنزلة قوله { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً } [ النساء : 3 ] فإن خاف ألا يعدل ، فيتزوج أكثر من واحدة جاز ، ولكن الأفضل أن لا يتزوج ، فكذلك ها هنا الأفضل أن يتزوج الأمة إلا المؤمنة ، ولو تزوج غير المؤمنة جاز . ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِكُمْ بَعْضُكُمْ مّن بَعْضٍ } يقول : والله أعلم بإيمانكم في الحقيقة وأنتم تعرفون الظاهر ، وليس عليكم أن تبحثوا عن الباطن . وقال مقاتل : في الآية تقديم وتأخير ، ومعناه ، فما ملكت أيمانكم بعضكم من بعض ، [ ( يعني يتزوج هذا وليدة هذا وهذا وليدة هذا ) ثم قال : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِكُمْ } من غيره . ويقال : معناه ، والله أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض ، يعني : بعضكم من بعض ] في النسب ، يعني محلكم ولد آدم ولا فخر فيما بينكم . ويقال : دينكم واحد أي بعضكم على دين بعض . ثم قال تعالى : { فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ } يعني الولاية بإذن أربابهن { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } يقول : أعطوهن مهورهن بالمعروف ( يعني بإذن أهلهن ، لأنه إذا أعطى الأمة مهرها بغير إذن مولاها واستهلكت ضمن الزوج للمولى ) . ويقال : مهراً غير مهر البغي ، يعني بعدما أطلق ذلك ، ثم قال : { مُحْصَنَـٰت } أي عفائف { غَيْرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ } أي : غير زواني . ويقال : غير معلنات بالزنا . { وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } يعني ، أخلاء في السر ، لأن أهل الجاهلية كان فيهن زواني في العلانية ، ولهن رايات منصوبة ، وبعضهن اتخذن أخداناً ، يعني أخلاء في السر ولا يفعلن بالعلانية ، فنهى الله عن نكاح الفريقين جميعاً فقال : تزوجوا محصنات غير معلنات بالزنا ، ولا في السر . قرأ الكسائي ( محصنات ) بكسر الصاد في جميع القرآن إلا في قوله { وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلنّسَاءِ } وقرأ الباقون في جميع القرآن بالنصب . ثم قال تعالى : { فَإِذَا أُحْصِنَّ } يعني أسلمن ، ويقال : إذا أعففن . قرأ عاصم وحمزة والكسائي : ( فإذا أحصن ) بالنصب ، وقرأ الباقون : بالضم وروي عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بالنصب ، ومعناه إذا أسلمن . وقرأ ابن عباس : بالضم ، يعني أحصن بالأزواج . { فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـٰحِشَةٍ } يعني الزنا ، { فَعَلَيْهِنَّ } أي وجب عليهن { نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } يعني إذا زنت الأمة فحدها نصف حد الحرة ، خمسون جلدة ، والفائدة في نقصان حدهن - والله أعلم - أنهن أضعف من الحرائر ، فجعل عقوبتهن أقل . ويقال : لأنهن لا يصلن إلى مرادهن ، كما تصل الحرائر إلى مرادهن . ويقال : لأن العقوبة تجب على قدر النعمة ، ألا ترى : أن الله تعالى قال لأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَـٰحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } [ سورة الأحزاب : 30 ] فلما كانت نعمتهن أكثر جعل عقوبتهن أشد ، فكذلك الأمة ، لما كانت نعمتها أقل كانت عقوبتها أدنى . وذكر في الآية حد الإماء خاصة ، ولم يذكر حد العبيد ، ولكن حد العبيد والإماء سواء خمسون جلدة في الزنا ، وفي حد القذف وشرب الخمر أربعون جلدة ، لأن حد الأمة إنما نقص لنقصان الرق ، وذلك في العبد موجود . وروي عن علي بن أبي طالب ، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - أنهما قالا : حد العبد نصف حد الحر . ثم قال تعالى : { ذٰلِكَ } يعني هذا الذي ذكر في الآية . وهو رخصة نكاح الأمة { لِمَنْ خَشِيَ ٱلْعَنَتَ مِنْكُمْ } يعني الإثم في دينه ، ويقال : الزنا والفجور [ قال القتبي أصله المضرور الإفساد ] قال تعالى : { وَأَن تَصْبِرُواْ } عن نكاح الإماء { خَيْرٌ لَّكُمْ } من تزوجهن لأنه ، لو تزوج الأمة ، يصير ولده عبداً . وروي عن عمر أنه قال : أيما حر تزوج بأمة ، فقد أرق نصفه أي يصير ولده رقيقاً ، فالصبر عن ذلك أفضل لكيلا يرق ولده . وقال مجاهد : { وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } يقول : وإن تصبروا على نكاح الأمة خير لكم من أن تقعوا في الفجور . { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } لما أصبتم منهن قبل تحليله { رَّحِيمٌ } حين رخص في نكاح [ الإماء ] ويقال : رحيم إذ لم يعجل العقوبة .