Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 36-38)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } قال بعضهم : هذا الخطاب للكفار . واعبدوا الله ، يعني وحدوا الله { وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } أي لا تثبتوا على الشرك . ويقال : الخطاب للمؤمنين : اعبدوا الله ، يعني اثبتوا على التوحيد ولا تشركوا به . ويقال : ( اعبدوا الله ) يعني أطيعوا الله فيما أمركم به ، وأخلصوا له بالأعمال ، ولا تشركوا به شيئاً ، ويقال : هذا الخطاب للمؤمنين وللمنافقين وللكفار ، فأمر المؤمنين بالطاعة والمنافقين بالإخلاص ، والكفار بالتوحيد . وروى عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : كل عبادة في القرآن إنما يعني بها التوحيد ويقال هذه الآيات محكمات في جميع الكتب ، وذكر فيها أحكاماً [ كانت تعرف تلك ] من طريق العقل ، وإن لم ينزل به [ القرآن ] ، وهو قوله تعالى : { وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً } . { وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰناً } يعني أحسنوا إلى الوالدين . { وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ } يعني صلوا القرابات قوله { وَٱلْيَتَـٰمَىٰ } يعني ، أحسنوا إلى اليتامى . ويقال : هذا أمر للأوصياء بالقيام على أموالهم . ثم قال تعالى : { وَٱلْمَسَـٰكِينُ } أي عليكم بإطعام المساكين ، ثم قال : { وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ } أي عليكم بالإحسان إلى الجار الذي بينك وبينه قرابة ، فله ثلاث حقوق ، هكذا روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الجيران ثلاثة : جار له ثلاثة حقوق ، وجار له حقان ، وجار له حق واحد ، فأما الجار الذي له ثلاثة حقوق فالجار القريب المسلم فله حق الجوار ، وحق القرابة ، وحق الإسلام ، والجار الذي له حقان ، وهو الجار المسلم ، فله حق الإسلام وحق الجوار . والجار الذي له حق واحد هو الجار الكافر له حق الجوار " ثم قال تعالى : { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } يعني الجار الذي لا قرابة بينهما ، وهو من قوم آخرين . { وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ } [ أي الرفيق في السفر . وروي عن معاذ بن جبل أنه قال " الصاحب بالجنب " يعني المرأة ، ثم قال { وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ } يعني الضيف ينزل عليكم فأحسنوا إليه ، وحقه ثلاثة أيام ، وما زاد على ذلك فهو صدقة . ثم قال : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ } من الخدم أحسنوا إليهم . وقد روي في الخبر " أطعموهم مما تأكلون ، وألبسوهم مما تلبسون ، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون ، فإنهم لحم ودم ، وخلق أمثالكم " رواه علي عن أبي طالب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " الله الله فيما ملكت أيمانكم " وذكر الحديث . وروي عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ، وما زال يوصيني بالنساء حتى ظننت أنه سيحرم طلاقهن ، وما زال يوصيني بالمماليك حتى ظننت أنه سيجعل لهم مدة إذا انتهوا إليها أعتقوا ، وما زال يوصيني بالسواك حتى ظننت أن يحفي فمي ، وما زال يوصيني بقيام الليل ، حتى ظننت أن خيار أمتي لم يناموا ليلاً " ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } يعني من كان مختالاً في مشيه ، فخوراً على الناس ، وهذا قول الكلبي . وقال القتبي : المختال : ذو الخيلاء والكبر ، وهذا قريب من الأول ، ويقال : فخوراً في نعم الله لا يشكرها ، ويتكبر على الناس . ثم قال تعالى : { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } قال مجاهد ، ومقاتل : نزلت في اليهود يبخلون بكتمان صفة محمد - صلى الله عليه وسلم - في كتابهم { وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } يعني : أمروا قومهم أن يكتموا صفته - صلى الله عليه وسلم - { وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتَـٰهُمُ الله مِن فَضْلِهِ } في التوراة . ويقال : أبخل الناس الذي يبخل بعلمه ، ويقال : { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ } يعني في المال ، لأن رؤساءهم كانوا لا يعطون أحداً من أموالهم شيئاً ، لأن عادتهم كان الأخذ والمنع ، وكانوا أيضاً يأمرون بالبخل ، لأن من كان في معصية ، فإنه يأمر غيره بذلك لكي لا يظهر عيبه ، ويكتمون ما آتاهم الله من فضله ، يعني لا يشكرون على ما أعطاهم الله من نعمته ، ولا يخرجون الزكاة . ثم قال تعالى : { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً } أي عذاباً شديداً . قرأ حمزة والكسائي : ( بالبخل ) بنصب الباء والخاء ، وقرأ الباقون ( بالبخل ) بضم الباء وجزم الخاء . وقال بعض أهل اللغة : ها هنا أربع لغات وهي لغة الأنصار : بخل ، وبخل ، وبخل ، وبخل ، إلا أنه قرأ بحرفين ولا يقرأ بالحرفين الآخرين ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ رِئَـاء ٱلنَّاسِ } قال مقاتل يعني اليهود ، وقال الضحاك : يعني المنافقين ينفقون أموالهم مراءاة للناس . { وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } يعني ولا يصدقون في السر ، ويقال : نزلت في مطعمي يوم بدر ، وهم رؤساء مكة أنفقوا على الناس ليخرجوا إلى بدر . ثم قال تعالى : { وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَهُ قَرِيناً } ففي الآية مضمر فكأنه قال : ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، فقرينهم الشيطان ، ومن يكن الشيطان له قريناً { فَسَاء قَرِيناً } أي قرينهم الشيطان في الدنيا يأمرهم بالبخل ، ويقال : قرينه في النار في السلسلة .