Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 32-35)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } . قال ابن عباس : يعني لا يتمنى الرجل مال أخيه ، ولا امرأته ولا دابته ولكن ، ليقل اللهم ارزقني مثله ، وقال الكلبي : مثله . وفيها وجه آخر : وهو أن الرجال قالوا : إن الله فضلنا على النساء ، فلنا سهمان ولهن سهم ، ونرجوا أن يكون لنا أجران في الأعمال . وقالت أم سلمة : ليت الجهاد كتب على النساء ، فنزلت هذه الآية { وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } { لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبْنَ } ويقال : إن النساء قلن كما نقص سهمنا في الميراث ، كذلك ينقص من أوزارنا ، ويكون الإثم علينا أقل من الرجال ، فنزلت الآية : { لّلرّجَالِ نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبُواْ } ولا يتمنى أحدكم أكثر مما عمل ، { وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا ٱكْتَسَبْنَ } من الشر ولا ينقص منهن شيء مما عملن من الإثم . { وَسْئَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ } جميعاً الرجال والنساء { مِن فَضْلِهِ } أي من رزقه { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيماً } فيما يصلح لكل واحد منهم من السهام وبمن يصلح للجهاد . قرأ ابن كثير والكسائي : ( وسلوا الله ) بغير همز في جميع القرآن ، وقرأ الباقون ، ( واسألوا الله ) بالهمز ، وأصله الهمز ، إلا أنه حذف الهمز للتخفيف . قوله تعالى : { وَلِكُلٍ جَعَلْنَا مَوَالِيَ } أي بينا موالي : يعني الورثة من الولد والإخوة وابن العم . ويقال : الموالي العصبة ، العم وابن العم وذوي القربى ، كقوله : { وَإِنِّي خِفْتُ ٱلْمَوَالِىَ مِن وَرَآئِي } [ مريم : 5 ] معناه ولكل واحد منكم جعلنا الورثة لكي يرث { مّمَّا تَرَكَ } وهم { ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلأَقْرَبُونَ } . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ فَـآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } . قال الكلبي ومقاتل : كان الرجل يرغب في الرجل فيحالفه ويعاقده على أن يكون في ميراثه كبعض ولده ثم قال : { فَـآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } أي أعطوهم حظهم الذي سميتم لهم من الميراث ، هكذا قال مجاهد . ثم نسخ بقوله تعالى : { وَأُوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ } [ الأنفال : 75 ] ويقال : إنهم كانوا يوصون لهم بشيء من المال فأمرهم بأن يؤتوا نصيبهم من الثلث . ويقال : أراد به مولى الموالاة ، كانوا يرثون السدس . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ شَهِيداً } أي شاهد إن أعطيتموهم أو لم تعطوهم . قرأ أهل الكوفة : حمزة والكسائي وعاصم ، والذين ( عقدت أيمانكم ) بغير ألف ، والباقون : بالألف ، قال أبو عبيدة والإختيار ، ( عاقدت ) بالألف لأنه من معاقدة الحلف فلا يكون إلا بين اثنين ومن قرأ ( عقدت ) معناه عقدت لهم أيمانكم ، فأضمر فيها لهم . ثم قال : { ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء } . نزل في سعد بن الربيع لطم امرأته بنت محمد بن مسلمة ، فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقصاص ، فنزل جبريل من ساعته بهذه الآية { ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاءِ } يعني مسلطون في أمور النساء وتأديبهم { بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } وذلك أن الرجل له الفضل على امرأته في إنفاقه عليها [ ودفع الحق إليها ] ويقال : إن الرجال لهم فضيلة في زيادة العقل والتدبير ، فجعل لهم حق القيام عليهن بما لهم من زيادة عقل ليس ذلك للنساء . ويقال : للرجال ، زيادة قوة في النفس والطبع ما ليس للنساء ، لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة ، فيكون فيه قوة وشدة ، وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والبرودة ، فيكون فيه معنى اللين والضعف ، فجعل لهم حق القيام عليهن بذلك . ثم قال : { وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ } أي فضلوا على النساء بما أنفقوا من أموالهم عليهن من المهر والنفقة . ثم قال : { فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ } يعني المحصنات من النساء في الدين قانتات مطيعات لله تعالى ولأزواجهن . ويقال : الصالحات يعني المحسنات إلى أزواجهن من النساء في الدين { قَـٰنِتَـٰتٍ } أي [ مطيعات لله ولأزواجهن ] ويقال : الصالحات ، يعني الموحدات { قَـٰنِتَـٰتٍ } يعني قائمات بأمور أزواجهن { حَـفِظَـٰتٌ لّلْغَيْبِ } أي لغيب أزواجهن في فروجهن ، وفي أموال الأزواج { بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ } يقول أي : يحفظ الله إياهن . قال مقاتل : ( وما ) صلة يعني يحفظ الله لهن ، ثم قال عز وجل : { وَٱللَّـٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } أي تعلمون عصيانهن { فَعِظُوهُنَّ } بالله ، أي يقول لها : اتق الله فإن حق الزوج عليك واجب ، فإن لم تقبل ذلك قوله تعالى : { وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ } قال الكلبي : أي ينسها وهو الهجر . ويقال : لا يقرب فراشها ، لأن الزوج إذا أعرض عن فراشها ، فإن كانت محبة للزوج يشق عليها ، فترجع إلى الصلاح ، وإن كانت مبغضة فتظهر السرور فيها ، فيتبين أن النشوز من قبلها . وقال الضحاك : واهجروهن في المضاجع ، أي يعرض عنها ، فإن ذلك يغيظها فإن لم ينفعها ذلك . { وَٱضْرِبُوهُنَّ } يعني ضرباً غير مبرح ، { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } يقول : لا تطلبوا عليهن عللاً ، ولا تكلفوهن الحب لكم ، فإن الحب أمر القلب ، وليس لها ذلك بيدها { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } أي رفيعاً علا فوق كل كبير ، فلا يطلب من عباده الحب ، ولا يكلفهم ما لا يطيقونه ، ويطلب منهم الطاعة ، فأنتم أيضاً لا تكلفوهن . ويقال : إن الله مع علوه يتجاوز عن عباده ، فأنتم أيضاً تجاوزوا ولا تطلبوا العلل . ثم قال تعالى للأولياء : { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } يقول : إن علمتم خلافاً بين الزوجين ، ويقال : إن خفتم الفراق بينهما ، ولا تدرون من أيهما يقع النشوز فقوله : { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا } يعني رجلاً عدلاً من أهل الزوج له عقل وتمييز ، يذهب إلى الرجل ويخلو به ، ويقول له : أخبرني [ ما ] في نفسك ، أتهواها أم لا ؟ حتى أعلم بمرادك ، فإن قال : لا حاجة لي بها ، خذ مني لها ما استطعت ، وفرق بيني وبينها ، فيعرف أن من قبله جاء النشوز ، وإن قال : فإني أهواها [ فارضيها ] من مالي بما شئت ولا تفرق بيني وبينها ، فيعرف أنه ليس بناشز . ويخلو ولي المرأة بها ، ويقول : أتهوين زوجك أم لا ؟ فإن قالت : فرق بيني وبينه ، واعطه من مالي ما أراد ، علم أن النشوز من قبلها . وإن قالت : لا تفرق بيننا ولكن حثه حتى يزيد في نفقتي ويحسن إلي ، علم أن النشوز ليس من قبلها . فإذا ظهر لهما الذي كان النشوز من قبله يقبلان عليه بالعظة ، والزجر والنهي ، وذلك قوله تعالى { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا } { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً } يعني عدلاً ، فينظران في أمرهما بالنصيحة والموعظة { يُوَفّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَا } بالصلاح ، ويقال : كل اثنين يقومان في الإصلاح بين اثنين بالنصيحة يقع الصلح بينهما لقوله تعالى : { إِن يُرِيدَا إِصْلَـٰحاً يُوَفّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَا } . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً } أي عليماً بهما خبيراً بنصيحتهما . وفي هذه الآية دليل على إثبات التحكيم ، وليس كما يقول الخوارج ، إنه ليس الحكم لأحد سوى الله تعالى ، فهذه كلمة حق ، ولكن يريدون بها الباطل .