Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 44-48)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني أعطوا حظاً من علم التوراة { يَشْتَرُونَ ٱلضَّلـٰلَةَ } يعني يختارون الكفر على الإسلام . قال القتبي : وهذا من الاختصار ، ومعناه : يشترون الضلالة بالهدى ، أي يستبدلون هذا بهذا ، كقوله : { إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [ سورة الإسراء : 34 ] أي مسئولا عنه ، ثم قال تعالى : { وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ ٱلسَّبِيلَ } أي تتركوا طريق الهدى ، وهو طريق الإسلام { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ } أي يعلم بعداوتهم إياكم ، يعني ، هو يعلم بالحقيقة وأنتم تعلمون الظاهر . ويقال هذا وعيد لهم ، فكأنه يقول : هو أعلم بعذابهم كما قال في آية أخرى { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّـٰلِمِينَ } [ سورة الأنعام : 58 ] يعني عليم بعقوبتهم ومجازاتهم ثم قال تعالى : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَلِيّاً } أي ناصراً لكم ومعيناً لكم { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ نَصِيراً } يعني مانعاً لكم . قوله تعالى : { مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } أي مالوا عن الهدى . قال الزجاج : { مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } : فيه قولان : فجائز أن يكون من صلة ، والمعنى : ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب من الذين هادوا ويجوز أن يكون معناه من الذين هادوا قوم { يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوٰضِعِهِ } أي ، يحرفون نعته عن مواضعه ، وهو نعت محمد - صلى الله عليه وسلم - { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا } قولك { وَعَصَيْنَا } أمرك { وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ } منك { وَرٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } أي يلوون لسانهم بالسب ، { وَطَعْناً فِي ٱلدّينِ } أي في دين الإسلام . قال القتبي : كانوا يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حدثهم وأمرهم سمعنا ، ويقولون في أنفسهم : وعصينا ، وإذا أرادوا أن يكلموه بشيء قالوا : اسمع يا أبا القاسم ، ويقولون في أنفسهم : لا سمعت ويقولون : راعنا ، يوهمونه في ظاهر اللفظ أنهم يريدون انظرنا حتى نكلمك بما تريد ، ويريدون به السب بالرعونة ، { لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ } أي قلباً للكلام بها . { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } مكان سمعنا وعصينا { وَٱسْمَعْ } مكان اسمع لا سمعت . { وَٱنْظُرْنَا } مكان قولهم : راعنا { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ } أي وأصوب من التحريف والطعن . ثم قال تعالى : { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ } أي خذلهم الله وطردهم مجازاة لهم بكفرهم ، { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } يعني لا يؤمنون إلا بالقليل لأنهم لا يؤمنون بالقرآن ولا يؤمنون بجميع ما عندهم ، ولا بسائر الكتب وإنما يصدقون ببعض ما عندهم . ويقال : لا يؤمنون ، إلا القليل منهم ، وهم مؤمنو أهل الكتاب ويقال : إنهم لا يؤمنون ، وهم بمنزلة رجل يقول : فلان قليل الخير ، يعني لا خير فيه . ثم خوفهم فقال : { قَلِيلاً يَـا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ ءامِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا } أي صدقوا بالقرآن { مُصَدّقاً لّمَا مَعَكُمْ } أي موافقاً للتوراة في التوحيد وبعض الشرائع ، { مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهَا } وطمسها أن يردها على بصائر الهدى ، ويقال طمسها أن يحول الوجوه إلى الأقفية ، ويقال : يخسف الأنف والعين فيجعلها طمساً ، ويقال : من قبل أن يطمس أي تسود الوجوه ، قال بعضهم : يعني به في الآخرة ، ويقال : هذا تهديد لهم في الدنيا . وذكر أن عبد الله بن سلام قدم من الشام ، فلم يأت أهله حتى أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : ما كنت أرى أن أصل إليك حتى يتحول وجهي في قفاي ، ويقال : من قبل أن نطمس وجوهاً ، يعني وجه القلب وهو كناية عن القسوة ، وقال مقاتل : يعني من قبل أن تحول القبلة ، كقوله : { وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } [ سورة البقرة : 148 ] . ثم قال تعالى : { أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَـٰبَ ٱلسَّبْتِ } أي نمسخهم كما مسخنا أصحاب السبت القردة ، ثم قال { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } أي كائناً ، وهذا وعيد من الله تعالى لهم ليعتبروا ويرجعوا . قوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ } أي دون الشرك { لِمَن يَشَاء } يعني لمن مات موحداً . نزلت الآية في شأن وحشي قاتل حمزة ، وذلك أن الناس لما التقوا يوم أحد ، وقد جعل لوحشي جزاء إن قتل حمزة فقتله لم يوف له ، فلما قدم مكة ندم على صنعه الذي صنع هو وأصحابه معه ، فكتبوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتاباً إنا قد ندمنا على ما صنعنا ، وإنه ليس يمنعنا من الدخول معك ، إلا أنا سمعناك تقول : إذ كنت عندنا بمكة : { وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءَاخَرَ … } [ سورة الفرقان : 68 ] إلى قوله : { يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ } [ سورة الفرقان : 69 ] وقد دعونا مع الله إلهاً آخر ، وقتلنا النفس ، وزنينا ، فلولا هذه الآيات لاتبعناك ، فنزل { إِلاَّ مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحاً } [ سورة مريم : 60 ] فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذه الآيات إلى وحشي وأصحابه ، فلما قرأوا كتبوا إليه أن هذا شرط شديد ، فنخاف ألا نعمل عملاً صالحاً ، فلا نكون من أهل هذه الآية ، فنزل { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } فبعث إليهم فقرأوها . فبعثوا إليه : فقالوا : إن في هذه الآية شرطاً أيضاً نخاف ألا نكون من أهل مشيئته فنزل قوله : { قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ، إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً } [ سورة الزمر : 53 ] فبعثها إليهم ، فلما قرأوها ، وجدوها أوسع مما كان قبلها ، فدخل هو وأصحابه في الإسلام . وروي عن ابن عمر أنه قال : كنا إذا مات الرجل منا على كبيرة ، شهدنا أنه من أهل النار ، حتى نزلت هذه الآية : { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } فأمسكنا عن الشهادة . وهذه الآية رد على من يقول : إن من مات على كبيرة يخلد في النار لأن الله تعالى قد ذكر في آية أخرى : { إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَـٰتِ } [ سورة هود : 114 ] يعني ما دون الكبائر [ فلم يبق لهذه المشيئة موضع سوى الكبائر ] ثم قال تعالى : { وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱفْتَرَىٰ إِثْماً عَظِيماً } يعني اختلق على الله كذباً عظيماً ، ويقال : فقد أذنب ذنباً عظيماً .