Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 49-55)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } يقول : يبرئون أنفسهم من الذنوب { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكّى مَن يَشَاء } وذلك ، لأن رؤساء اليهود كانوا يقولون : هل على أولادنا من ذنب ، فما نحن إلا كهيئتهم فهذا الذي زكوا به أنفسهم ، قال الله تعالى : { بَلِ ٱللَّهُ يُزَكّى مَن يَشَاء } أي يصلح ويبريء من يشاء من الذنوب . ويقال : يكرم من يشاء بالإسلام { وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } . قال الكلبي ومقاتل : الفتيل الذي يكون في شق النواة ، وهو الأبيض ويقال : هو ما فتلته بين أصبعيك من الوسخ ، فإذا مسحت إحداهما بالأخرى ، يعني لا ينقصون من ثواب أعمالهم بذلك المقدار ، ثم قال تعالى : { انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ } أي يختلقون على الله الكذب { وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } أي ذنباً مبيناً . روى مقاتل عن الضحاك قال : الفتيل ، والنقير ، والقطمير ، كلها في النواة . ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني أعطوا حظاً من علم التوراة ، { يُؤْمِنُونَ بِٱلْجِبْتِ وَٱلطَّـٰغُوتِ } الجبت : حيي بن أخطب ، والطاغوت : كعب بن الأشرف . وقال القتبي : كل معبود من حجر ، أو صورة ، أو شيطان ، فهو جبت وطاغوت ، قال : ويقال : الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطان ، ويقال : في هذه السورة رجلان من اليهود ، وإيمانهم بهما تصديقاً لهما ، وطاعتهم إياهما . ثم قال تعالى : { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني لمشركي مكة { هَـؤُلاء أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ سَبِيلاً } وذلك أن رؤساء اليهود قدموا مكة بعد قتال أُحد ، ونقضوا العهد ، وبايعوا المشركين ، وقالوا : أنتم أهدى سبيلاً من المسلمين . حدثنا الخليل بن أحمد قال : حدثنا الديبلي ، قال : حدثنا أبو عبيد الله قال : حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عكرمة ، قال : جاء كعب بن الأشرف ، وفي رواية أخرى عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : جاء كعب بن الأشرف ، وحيي بن أخطب إلى مكة ، فأتيا قريشاً ، فقالت لهما قريش : أنتم أهل الكتاب ، وأهل العلم ، فأخبرونا عنا وعن محمد ، ديننا القديم ، ودين محمد الحديث ، ونحن نصل الرحم ونسقي الحجيج ، ونفك العناة ، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - صنبور ، قطع أرحامنا ، واتبعه سراق الحجيج ، بنو غفار ، فنحن أهدى أم هو ؟ قالا : بل أنتم أهدى سبيلاً منهم ، فأنزل الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ … } الآية إلى قوله : { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَـؤُلاء أَهْدَىٰ مِنَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ سَبِيلاً } . يعني أهدى ديناً من المهاجرين والأنصار . قوله تعالى : { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } أي خذلهم وطردهم الله من رحمته ، ويقال : عذبهم الله بالجزية . { وَمَن يَلْعَنِ ٱللَّهُ ، فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً } أي مانعاً . قوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ } يقول : لو كان لهم ، يعني لليهود حظ من الملك { فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ٱلنَّاسَ نَقِيراً } أي لا يعطون أحداً من بخلهم وحسدهم نقيراً ، والنقير : النقطة التي على ظهر النواة { أَمْ يَحْسُدُونَ ٱلنَّاسَ } أي أيحسدون الناس . ويقال : بل يحسدون الناس ، يعني به محمداً - صلى الله عليه وسلم - { عَلَىٰ مَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } من النبوة ، وكثرة تزوجه النساء ، ويقولون لو كان نبياً لشغلته النبوة عن كثرة النساء فيحسدونه بذلك . قال الله تعالى : { فَقَدْ ءاتَيْنَا ءالَ إِبْرٰهِيمَ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ } يعني النبوة والعلم والفهم ، { وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً } فكان يوسف - عليه السلام - ملكاً على مصر ، وكان سليمان بن داود - عليهما السلام - ملكاً ، وكانت له ثلاثمائة امرأة حرة سوى السرية ، قال مقاتل هكذا ، وقال الكلبي : كانت له سبع مائة امرأة ، وثلاثمائة سرية ، وكان لداود - عليه السلام - مائة امرأة ، فلم يكن يمنعهم النبوة عن ذلك ، ويقال : إن الفائدة في كثرة تزوجه أنه كانت له قوة أربعين نبياً ، وكل من كان أقوى فهو أكثر نكاحاً . ويقال : إنه أراد بالنكاح كثرة العشيرة ، لأن لكل امرأة قبيلتين قبيلة من قبل الأب ، وقبيلة من قبل الأم ، فكلما تزوج امرأة صرف وجوه القبيلتين إلى نفسه ، فيكونون عوناً له على أعدائه . ويقال : إن كل من كان أتقى كانت شهوته أشد ، لأن الذي لا يكون تقياً ، إنما ينفرج بالنظر واللمس ، ألا ترى إلى ما روي في الخبر : العينان تزنيان ، واليدان تزنيان ، فإذا كان في النظر ، وفي المس نوع من قضاء الشهوة ، فلا ينظر التقي ، ولا يمس ، فتكون الشهوة مجتمعة في نفسه ، فيكون أكثر جماعاً . وقال أبو بكر الوراق : كل شهوة تقسي القلب إلا الجماع فإنه يصفي القلب ، ولهذا كان الأنبياء - عليهم السلام - يفعلون ذلك . قوله تعالى : { فَمِنْهُمْ مَّنْ ءامَنَ بِهِ } يعني من اليهود من آمن به ، بالكتاب الذي أنزل على إبراهيم ، وآمن بالكتاب الذي [ أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ] { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } يعني أعرض عنه مكذباً ، وهذا قول الكلبي . وقال مقاتل : { فَمِنْهُمْ مَّنْ ءامَنَ بِهِ } يعني من آل إبراهيم { مَنْ ءامَنَ بِهِ } يعني بالكتاب الذي جاء به { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } لم يؤمن به . وقال الضحاك : أم يحسدون الناس ، يعني اليهود كانوا يحسدون قريشاً لأن النبوة فيهم ، { فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرٰهِيمَ ٱلْكِتَـٰبَ } يعني إسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، الكتاب يعني التنزيل ، والحكمة : يعني السنة ، وآتيناهم ملكاً عظيماً : يعني قريشاً وبني هاشم ملكاً عظيماً ، يعني الخلافة لا تصلح إلا لقريش ، { فَمِنْهُمْ مَّنْ ءامَنَ بِهِ } يعني بمحمد - صلى الله عليه وسلم - { وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } أي كفر به . ثم قال تعالى : { وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } أي وقوداً لمن كفر به . ثم بين مصير من كذب به ، وموضع من آمن به .