Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 17-29)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ } يعني ابتلينا قبل قومك قوم فرعون { وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ } على ربه وهو موسى عليه السلام ، ويقال رسول كريم أي شريف { أَنْ أَدُّواْ إِلَىَّ عِبَادَ ٱللَّهِ } يعني أرسلوا معي بني إسرائيل ، واتبعوني على ديني { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } قد جئتكم من عند الله تعالى ، ويقال : كريم لأنه كان يتجاوز عنهم ، ويقال : أمين فيكم قبل الوحي فكيف تتهموني اليوم ، ويقال كريم : حيث يتجاوز عنهم ، حين دعا موسى ، ورفع عنهم الجراد والقمل والضفادع والدم { إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ } فيما بينكم وبين ربكم قوله تعالى { وَأَن لاَّ تَعْلُواْ عَلَى ٱللَّهِ } يعني لا تخالفوا أمر الله تعالى ، ويقال لا تستكبروا عن الإيمان ولا تعلوا بالفساد لأن فرعون لعنه الله كان عالياً من المسرفين { إِنِّيۤ آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } يعني آتيكم بحجة بينة اليد والعصى ، وغير ذلك { وَإِنّى عُذْتُ بِرَبّى وَرَبّكُمْ } يعني أعوذ بالله { أَن تَرْجُمُونِ } يعني أن تقتلون ، ومعناه أسأل الله تعالى أن يحفظني لكي لا تقتلوني ، قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ( عُذْتُ ) بإدغام الذال في التاء لقرب مخرجيهما ، والباقون بغير إدغام لتبيين الحرف ، ثم قال : { وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِى فَٱعْتَزِلُونِ } يعني إن لم تصدقوني فاتركوني قوله تعالى { فَدَعَا رَبَّهُ } يعني دعا موسى ربه كما ذكر في سورة يونس { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَٰلِهِمْ } [ يونس : 88 ] وقوله : { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ } [ يونس : 86 ] { أَنَّ هَـؤُلاَء قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ } يعني مشركون ، فأبوا أن يطيعوني { فَأَسْرِ بِعِبَادِى لَيْلاً } فأوحى الله تعالى إليه أن أدلج ببني إسرائيل { إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ } يعني إنَّ فرعون يتبع أثركم ، فخرج موسى ببني إسرائيل ، وضرب بعصاه البحر فصار طريقاً يابساً ، وهذا كقوله تعالى : { فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً } [ طه : 77 ] فلما جاوز موسى مع بني إسرائيل البحر فأراد موسى أن يضرب بعصاه البحر ليعود إلى الحالة الأولى ، فأوحى الله تعالى إليه بقوله { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً } قال قتادة : يعني طريقاً يابساً واسعاً وقال الضحاك : رَهْواً يعني سهلاً ، وقال مجاهد : يعني منفرجاً ، وقال القتبي : يعني طريقاً سالكاً كما هو ، ويقال رهواً : أي سككاً جدداً طريقاً يابساً { إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } وذلك أن بني إسرائيل خشوا أن يدركهم فرعون ، فقالوا لموسى : اجعل البحر كما كان فإننا نخشى أن يلحق بنا قال الله تعالى : { إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } يعني سيغرقون ، فدخل فرعون وقومه البحر فأغرقهم الله تعالى ، وبقيت قصورهم وبساتينهم ، قوله تعالى { كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } يعني بساتين وأنهاراً جارية { وَزُرُوعٍ } يعني الحروق { وَمَقَامٍ كَرِيمٍ } يعني مساكن ومنازل حسنة كذلك ، يعني هكذا أخرجناهم من النعم { وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَـٰكِهِينَ } يعني معجبين ، وقال أهل اللغة : النِّعمة بكسر النون هي المنة واليد الصالحة ، والنُّعمة بالضم هي الميسرة ، وبالنصب هي السعة في العيش ثم قال { كَذٰلِكَ } يعني هكذا أخرجناهم من السعة والنعمة { وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ } يعني جعلناها ميراثاً لبني إسرائيل قوله تعالى : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضُ } قال بعضهم هذا على سبيل المثل ، والعرب إذا أرادت تعظيم ملك عظيم الشأن عظيم العطية تقول كَسَفَ القَمَرُ لِفَقْدِهِ ، وبَكَت الرِّيحُ ، والسَّمَاءُ ، وَالأرْضُ ، وقد ذكروا ذلك في أشعارهم ، فأخبر الله تعالى ، أن فرعون لم يكن ممن يجزع له جازع ، ولم يقم لفقده فقد ، وقال بعضهم : { فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَاء وَٱلأَرْضُ } يعني أهل السماء ، وأهل الأرض ، فأقام السماء والأرض مقام أهلها كما قال : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] وقال بعضهم يعني بكت السماء بعينها ، وبكت الأرض ، وقال ابن عباس : " لِكُلِّ مُؤْمِنٍ بَابٌ في السَّمَاءِ يَصْعَدُ فِيهِ عَمَلُهُ ، وَيَنْزِلُ مِنهُ رِزْقُهُ فَإذا مَاتَ بَكَى عَلَيْهِ بَابُه فِي السَّمَاءِ وَبَكَتْ عَلَيْهِ آثَارُهُ فِي الأرْضِ " وذكر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل أتبكي السماء والأرض على أحد ؟ قال : نعم إذا مات المؤمن بكت عليه معادنه من الأرض التي كان يذكر الله تعالى فيها ، ويصلي ، وبكى عليه بابه الذي كان يرفع فيه عمله ، فأخبر الله تعالى أن قوم فرعون لم تبك عليهم السماء والأرض { وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ } يعني مؤجلين