Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 13-18)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ } يعني : وكم من قرية فيما مضى ، يعني : أهل قرية { هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً } يعني : أشد منعة وأكثر عدداً ، وأكثر أموالاً . { مّن قَرْيَتِكَ ٱلَّتِى أَخْرَجَتْكَ } يعني : أهل مكة الذين أخرجوك من مكة إلى المدينة { أَهْلَكْنَـٰهُمْ } يعني : عذبناهم عند التكذيب { فَلاَ نَـٰصِرَ لَهُمْ } يعني : لم يكن لهم مانع مما نزل بهم من العذاب ، وهذا تخويف لأهل مكة قوله تعالى : { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبِّهِ كَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عَمَلِهِ } قال مقاتل والكلبي يعني محمداً - صلى الله عليه وسلم - ، وأبا جهل بن هشام ، يعني لا يكون حال من كان على بيان من الله تعالى كمن حسن له قبح عمله { وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } بعبادة الأوثان ، ويقال هذا في جميع المسلمين ، وجميع الكافرين ، لا يكون حال الكفار مثل حال المؤمنين في الثواب قوله تعالى { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ } يعني : صفة الجنة { ٱلَّتِى وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ } الذين يتقون الشرك والفواحش { فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ } قرأ ابن كثير { مّن مَّاء غَيْرِ ءاسِنٍ } بغير مد ، والباقون بالمد ، ومعناهما واحد ، يعني ماء غير منتن ولا متغير الطعم والريح { وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } إلى الحموضة كما يتغير لبن أهل الدنيا من الحالة الأولى { وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لّلشَّـٰرِبِينَ } يعني : لذيذة ، ويقال { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [ الواقعة : 19 ] { وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } ليس فيها العكر ولا الكدرة ، ولا الدردي كعسل أهل الدنيا ، قال مقاتل : هذه الأنهار الأربعة تتفجر من الكوثر إلى أهل الجنة ، ويقال من تحت شجرة طوبى إلى أهل الجنة { وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ } يعني : من ألوان الثمرات { وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ } لذنوبهم في الآخرة ، ويقال في الدنيا { كَمَنْ هُوَ خَـٰلِدٌ فِى ٱلنَّارِ } يعني : هل يكون حال من هو في هذه النعم كمن هو في النار أبداً { وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً } أي : حاراً قد انتهى حره { فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ } من شدة الحر فذابت أمعاؤهم ، كقوله تعالى : { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } [ الحج : 20 ] ثم قال : { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ } يعني : من المنافقين من يستمع إليك { حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ ءانِفاً } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب الناس يوم الجمعة ، وعاب في خطبته المنافقين ، فلما خرجوا من عنده ، قال بعض المنافقين لعبد الله بن مسعود وهو الذي أوتي العلم : ماذا قال آنفاً ؟ يعني الساعة على جهة الاستهزاء ، قال الله تعالى : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } مجازاة لهم { وَٱتَّبَعُواْ أَهْوَاءهُمْ } يعني : عملوا بهوى أنفسهم ، ثم ذكر المؤمنين المصدقين فقال : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } يعني : آمنوا بالله تعالى ، وأحسنوا الاستماع إلى ما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - { زَادَهُمْ هُدىً } يعني : زادهم الله بصيرة في دينهم ، وتصديقاً لنبيهم ، ويقال : زادهم بما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدى ، ويقال زادهم قول المنافقين ، واستهزاؤهم { هُدىً } يعني : تصديقاً وثباتاً على الإسلام ، وشكر الله تعالى { وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } حين بين لهم التقوى ، ويقال ألهمهم قبول الناسخ وترك المنسوخ . قوله تعالى : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ } أي : ما ينتظر قومك إلا قيام الساعة ، يعني : فما ينتظر قومك إن لم يؤمنوا إلا الساعة { أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً } يعني : فجأة { فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا } يعني : علاماتها وهو : انشقاق القمر والدخان وخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وروى مكحول عن حذيفة قال سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " متى الساعة ، فقال : ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ولكن لها أشراط ، تقارب الأسواق يعني : كسادها ، ومطر ولا نبات يعني : مطر في غير حينه ، وتفشو الفتنة ، وتظهر أولاد البغية ، ويعظم رب المال ، وتعلو أصوات الفسقة في المساجد ، ويظهر أهل المنكر على أهل الحق " ثم قال : { فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ } يعني : من أين لهم التوبة إذا جاءتهم الساعة ، وقال قتادة : فأنى لهم أن يتذكروا أو يتذاكروا إذا جاءتهم الساعة ، وقال مقاتل : فيه تقديم : يعني : أنى لهم التذكرة والتوبة عند الساعة إذا جاءتهم ، وقد فرطوا فيها .