Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 33-38)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } يعني : أطيعوه في السر كما في العلانية ، ويقال : أطيعوا الله في الفرائض وأطيعوا الرسول في السنن ، وفيما يأمركم من الجهاد { وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـٰلَكُمْ } يعني : حسناتكم بالرياء ، وقال أبو العالية : كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يرون أنه لا يضر مع قول لا إلٰه إلا الله ذنب ، كما لا ينفع مع الشرك عمل ، حتى نزل { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـٰلَكُمْ } فخافوا أن تبطل الذنوب الأعمال ، وقال مقاتل : نزلت في الذين يمنون عليك أن أسلموا { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال مقاتل وذلك " أن رجلاً سأله عن والده أنه كان محسناً في كفره ، قال : هو في النار ، فولى الرجل يبكي ، فدعاه فقال له : والدك ووالدي ووالد إبراهيم في النار " فنزل { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } { ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } قال الكلبي : نزلت الآية في رؤساء أهل بدر قوله تعالى : { فَلاَ تَهِنُواْ } يعني : لا تضعفوا عن عدوكم : { وَتَدْعُواْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } يعني : إلى الصلح ، أي : لا تهنوا ولا تدعوا إلى الصلح نظير قوله تعالى : { وَلاَ تَلْبِسُواْ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ } [ البقرة : 42 ] يعني : ولا تكتموا الحق ، وفي هذه الآية دليل على أن أيدي المسلمين إذا كانت عالية على المشركين لا ينبغي لهم أن يجيبوهم إلى الصلح لأن فيه ترك الجهاد ، وإن لم تكن يدهم عالية عليهم فلا بأس بالصلح لقوله تعالى : { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } [ الأنفال : 61 ] يعني : إن مالوا للصلح فمل إليه ، قرأ حمزة في رواية أبي بكر : إلى السِلم بكسر السين ، والباقون بالنصب قال بعضهم : وهما لغتان ، وقال بعضهم : أحدهما صلح ، والآخر استسلام ، ثم قال : { وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ } يعني : العالين يكون آخر الأمر لكم { وَٱللَّهُ مَعَكُمْ } يعني : معينكم وناصركم { وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ } يعني : لن ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً ، يقال وترتني حقي يعني : بخستني فيه ، وقال مجاهد : لن ينقصكم ، وقال قتادة : لن يظلمكم { إِنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ } يعني : باطل وفرح { وَإِن تُؤْمِنُواْ } أي تستقيموا على التوحيد { وَتَتَّقُواْ } النفاق { يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ } يعني : يعطكم ثواب أعمالكم { وَلاَ يَسْـئَلْكُمْ أَمْوٰلَكُمْ } يعني : لا يسألكم جميع أموالكم ، ولكن ما فضل منها { إِن يَسْـئَلْكُمُوهَا } يعني : جميع الأموال { فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ } يعني : إن يلح عليكم بما يوجبه في أموالكم ، ويقال فيحفكم يعني : يجهدكم كثرة المسألة ، تبخلوا بالدفع { وَيُخْرِجْ أَضْغَـٰنَكُمْ } يعني : يظهر بغضكم ، وعداوتكم لله تعالى ، ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين ، ويقال ويخرج ما في قلوبكم من حب المال ، يقول هذا للمسلمين ، ويقال هذا للمنافقين ، يعني يظهر نفاقكم ، وقال قتادة علم الله أن في مسألة الأموال خروج الأضغان . قوله عز وجل : { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ } قرأ نافع ، وأبو عمرو { هَا أَنتُمْ } بمدة طويلة بغير همز ، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالمد والهمز ، فَهَا تنبيه ، وأنتم كلمة على حدة ، وإنما مد ليفصل ألف هاء من ألف أنتم ، وقرأ ابن كثير بالهمز بغير مد ، ومعناه : أَأَنتم ثم قلبت إحدى الهمزتين هاء ، ومعنى هذه القراءات كلها : أنتم يا معشر المؤمنين { تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني لتتصدقوا في سبيل الله ، وتعينوا الضعفاء { فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ } بالنفقة في سبيل الله { وَمَن يَبْخَلْ } بالنفقة { فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ } يعني لا يكون له ثواب النفقة { وَٱللَّهُ ٱلْغَنِىُّ } عما عندكم من الأموال ، وعن أعمالكم { وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَاء } إلى ما عند الله من الثواب ، والرحمة ، والمغفرة { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ } يعني تعرضوا عما أمركم الله به من الصدقة وغير ذلك مما افترض الله عليكم من حق { يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَـٰلَكُم } يعني يهلككم ويأت بخير منكم ، وأطوع لله تعالى منكم ، ثم لا يكونوا أمثالكم ، يعني أشباهكم في معصية الله تعالى ، قال بعضهم : لم يتولوا ، ولم يستبدل بهم ، وقال بعضهم استبدل بهم أناس من كندا وغيرها ، وروى أبو هريرة قال : لما نزلت هذه الآية ، قالوا : " يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هؤلاء الذين إِنْ تولينا استبدلوا بِنَا قال وَعنده سلمان فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده عليه ثم قال : هذا وقومه ثم قال : " لو كان الإيمان معلقاً بِالثريا لتناوله رجال من أبناء فارس " وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين .