Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 4-6)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ } يعني : اضربوا الرقاب ، صار نصباً بالأمر ، ومعناه اضربوا الأعناق ضرباً ، وروى وكيع عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قَالَ : " إِنّي لَمْ أُبْعَثُ لأُعَذِّبَ بِعَذَابِ الله ، وَإِنَّمَا بُعثْتُ بِضَرْبِ الرِّقَابِ وَشَدِّ الوَثَاقِ " { حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } يعني : حتى إذا قهرتموهم وأسرتموهم فشدوا الوثاق يعني : فاستوثقوا أيديهم من خلفهم ، ويقال الإثخان : أن يعطوا أيديهم ، ويستسلموا ، وقال الزجاج { حَتَّىٰ أَثْخَنتُمُوهُمْ } يعني : أكثرتم فيهم القتل والأسر بعد المبالغة في القتل ، وقال مقاتل : حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوُهم بالسيف فظفرتم عليهم { فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ } يعني : الأسر { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ } يعني : عتقاً بعد الأسر بغير فداء { وَإِمَّا فِدَاء } يعني : يفادي نفسه بماله ، وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال : الإمام بالخيار في الأسرى إن شاء فادى وإن شاء قتل ، وإن شاء استرق ، وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : لا أفادي وإن طلبوا بمدين من ذهب ، وذكر عن أبي بكر أنه كتب إليه في أسير التمسوا منه الفداء فقال اقتلوه ، لأَنْ أقتل رجلاً من المشركين أحب إليَّ من كذا وكذا ، قال أبو الليث : وقد كره بعض الناس قتل الأسير ، واحتج بظاهر هذه الآية { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً } ، وقال أَصْحَابُنَا : لا بأس بقتله بالخبر الذي روي عن أبي بكر رضي الله عنهم وروي عن ابن جريج ، وغيره من أهل التفسير أن هذه الآية منسوخة بقوله { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُم } [ التوبة : 5 ] ، وقد قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن خطل يوم فتح مكة بعدما وقع في منعة المسلمين فهو كالأسير ، وأما الفداء : فإن فادوا بأسير من المسلمين فلا بأس به ، كما قال إبراهيم النخعي إن شاء فادى بالأسير ، وإن أراد أن يفتدي بمال لا يجوز إلا عند الضرورة ، لأن في رد الأسير إلى دار الحرب قوة لهم في الحرب فكره ذلك ، كما يكره أن يحمل إليهم السلاح للبيع ثم قال : { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } روي عن ابن عباس أنه قال حتى تترك الكفار إشراكها ، ويوحدوا الرب تبارك وتعالى ، حتى لا يبقى إلا مسلم ، أو مسالم يعني : في ذمة المسلمين ، الذين يعطون الجزية ، وعن سعيد ابن جبير قال : { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } قال : خروج عيسى عليه السلام يكسر الصليب ، فيلقى الذئب الغنم فلا يأخذها ولا تكون عداوة بين اثنين ، وهكذا قال مجاهد ، وقال مقاتل { حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } يعني : في مكان يقاتل سَمَّاهُم حرباً ، وقال القتبي : حتى تضع الحرب ، يعني : حتى يضع أهل الحرب السلاح . ثم قال عز وجل : { ذٰلِكَ } يعني : افعلوا ذلك ، ثم استأنف فقال : { وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ } بغير قتال يعني : يهلكهم { وَلَـٰكِن لّيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ } يعني : لم يهلكهم لكي يختبرهم بالقتال ، حتى يتبين فضلهم ويستوجبوا الثواب ثم قال : { وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني : جاهدوا عدوهم في طاعة الله تعالى { فَلَن يُضِلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ } يعني : لن يبطل ثواب أعمالهم ، قرأ أبو عمرو ( قُتِلُوا ) بضم القاف بغير ألف ، وهكذا روي عن عاصم في إحدى الروايتين ، يعني : الذين قتلوا يوم أحد ، ويوم بدر ، وفي سائر الحروب ، وقرأ الباقون { وَٱلَّذِينَ قَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } بالنصب يعني : جاهدوا الكفار وحاربوهم ثم قال { سَيَهْدِيهِمْ } يعني : يجنبهم من أهوال الآخرة ، ويقال : سيهديهم : يعني : يثبتهم على الهدى { وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } وقد ذكرناه { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ } في الآخرة { عَرَّفَهَا لَهُمْ } يعني هداهم الله تعالى إلى منازلهم ، وروى أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال " إِذَا أُذِنَ لأهْلِ الجَنَّةِ فِي دُخُولِهَا ( لأَحَدهم أَهْدَى أي أعرف بِمَنْزِلِهِ في الجَنَّةِ ، من منزله الَّذِي كَانَ فِي الدُّنَّيَا ) " وعن ابن مسعود أنه قال ما أشبههم إلاَّ أهل الجمعة حين انصرفوا من جمعتهم ، يعني إن كل واحد منهم ، يهتدي إلى منزله ، وقال الزجاج في قوله { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } أي يصلح لهم أمر معايشهم في الدنيا ، مع ما يجازيهم في الآخرة ، وهذا كما قال تعالى { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مُدْرَاراً } [ نوح : 10 ، 11 ] الآية ويقال { عَرَّفَهَا لَهُمْ } أي طيبها لهم ، يقال طعام معرف أي مطيب ، ثم حث المؤمنين على الجهاد .