Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 48, Ayat: 27-29)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ } يعني : حقق الله تعالى رؤيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالوفاء والصدق ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في المنام قبل الخروج إلى الحديبية أنهم يدخلون المسجد الحرام ، فأخبر الناس بذلك فاستبشروا ، فلما صدهم المشركون ، قالت المنافقون في ذلك ما قالت ، فنزل لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ يعني : يصدق رؤياه بالحق { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ } يعني : ما أخبر أصحابه أنهم يدخلون المسجد الحرام في العام الثاني ، ويقال : نزلت الآية بعد ما دخلوا في العام الثاني لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ يعني : ما أخبر أصحابه أنهم يدخلون المسجد الحرام { إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ } يعني : لتدخلن إن شاء الله آمنين ، يعني بإذن الله وأمره ، ويقال هذا اللفظ حكاية الرؤيا ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين رأى في المنام ، رأى كأن ملكاً ينادي وهو يقول لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ، فأنزل الله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ وهو قول الملك { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَاء ٱللَّهُ ءامِنِينَ } من العدو { مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ } يعني : منهم من يحلق ومنهم من يقصر { لاَ تَخَـٰفُونَ } العدو { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } قال مقاتل : فعلم أن يفتح عليهم خيبر قبل ذلك ، فوعد لهم الفتح ، ثم دخول مكة ففتحوا خيبر ثم رجعوا ثم دخلوا مكة وأتوا عمرة القضاء ، وقال الكلبي في قوله : { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } يعني : علم الله أنه سيكون في السنة الثانية ، ولم تعلموا أنتم فلذلك وقع في أنْفسكم ما وقع { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً } يعني : فتح خيبر ثم قال عز وجل : { هُوَ ٱلَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ } يعني : بالتوحيد شهادة أن لا إلٰه إلا الله { وَدِينِ ٱلْحَقِّ } وهو الإسلام { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلّهِ } يعني : على الأديان كلها قبل أن تقوم الساعة فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } بأن محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن لم يشهد كفار مكة ، وذلك حين أراد أن يكتب محمد رسول الله ، فقال سهيل بن عمرو : إنا لا نعرف بأنك رسول الله ولا نشهد ، قال الله عز وجل : { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } وإن لم يشهد سهيل وأهل مكة ، قال عز وجل : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } من المؤمنين { أَشِدَّاءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ } بالغلظة { رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } يعني : متوادّين فيما بينهم { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } يعني : يكثرون الصلاة { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } يعني : يلتمسون من الحلال ، وقال بعضهم " وَٱلَّذِينَ مَعَهُ " يعني : أبا بكر { أَشِدَّاء عَلَى ٱلْكُفَّارِ } يعني : عمر { رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } يعني : عثمان { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } يعني : عليّاً رضوان الله عليهم أجمعين { يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً } يعني : الزبير ، وعبد الرحمن بن عوف { سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ } يعني : علاماتهم وهي الصفرة في وجوههم { مّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ } يعني : من السهر بالليل ، ويقال يعرفون غُرّاً محجلين يوم القيامة من أثر الوضوء ، وقال مجاهد : ( سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ ) قال : الخشوع والوقار ، وقال منصور : قلت لمجاهد أهذا الذي يكون بين عيني الرجل ؟ قال : إن ذلك قد يكون للرجل وهو أقسى قلباً من فرعون ثم قال : { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ } يعني : هذا الذي ذكره من نعتهم وصفتهم في التوراة ، ثم ذكر نعتهم في الإنجيل فقال : { وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإنجِيلِ } يعني : مثل محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال : مثلهم في التوراة والإنجيل واحد ، قال : { مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } قرأ ابن كثير ، وابن عامر شَطَأَهُ بنصب الشين والطاء والباقون بنصب الشين وجزم الطاء ، ومعناهما واحد ، وهو فراخ الزرع ، وقال مجاهد : شطأه يعني : قوائمه قرأ ابن عامر ( فَآزَرَهُ ) بغير مد والباقون بالمدة ومعناهما واحد ، يعني : قواه ومنه قوله عز وجل { ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِى } [ طه : 31 ] يعني : قوي به ظهري ، ويقال { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } يعني : سنبله فَآزَرَهُ يعني : أعانه وقواه { فَٱسْتَغْلَظَ } يعني : غلظ الزرع واستوى { فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ } وهو جماعة الساق { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ } يعني : الزارع إذا نظر في زرعه بعدما استغلظ واستوى يعجبه ذلك ، فكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، تبعه أبو بكر ثم تبعه عمر ، ثم تبعه واحد بعد واحد من أصحابه ، حتى كثروا ففرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك لكثرتهم { لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ } يعني : أهل مكة يكرهون ذلك لما رأوا من كثرة المسلمين وقوتهم ، وروى خيثمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرئهم القرآن في المسجد ، فأتى على هذه الآية : { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ } فقال : أنتم الزرع وقد دنا حصادكم ، ويقال كَزَرْعٍ يعني : محمداً - صلى الله عليه وسلم { أَخْرَجَ شَطْأَهُ } يعني : أبا بكر { فَازَرَهُ } يعني : أعانه عمر على كفار مكة { فَٱسْتَغْلَظَ } يعني : تقوى بنفقة عثمان { فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ } يعني : قام على أمره علي بن أبي طالب يعينه وينصره على أعدائه { يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ } يعني : طلحة والزبير ، وكان الكفار يكرهون إيمان طلحة والزبير لشدة قوتهما ، وكثرة أموالهما { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم } يعني : لهم ، ويقال فيما بينهم وبين ربهم ، ويقال : مِنْ : ها هنا لإبانة الجنس يعني : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم ، أي من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - { مَغْفِرَةٍ } لذنوبهم { وَأَجْراً عَظِيماً } يعني : ثواباً وافراً في الجنة ( روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " من قرأ سورة الفتح فكأنما شهد فتح مكة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - " والله سبحانه أعلم .