Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 21-26)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال : { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا } يعني وعدكم الله غنيمة أخرى لم تقدروا عليها ، يعني لم تملكوها بعد ، وهو فتح مكة ، ويقال هو فتح قرى فارس والروم { قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا } يعني علم الله أنكم ستفتحونها وتستغنمونها فجمعها وأحرزها لكم { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَىْءٍ قَدِيراً } من الفتح وغيره { وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ } يعني كفار مكة يوم الحديبية ، ويقال أسد وغطفان يوم خيبر { لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَـٰرَ } منهزمين { ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } يعني قريباً ينفعهم ولا مانعاً يمنعهم من الهزيمة قوله عز وجل { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ } يعني هكذا سنة الله بالغلبة والنصرة لأوليائه والقهر لأعدائه { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } يعني تغييراً وتحويلاً { وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } يعني أيدي أهل مكة { وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم } يعني أيديكم عن أهل مكة من بعد أن أظفركم عليهم وذلك أن جماعة من أهل مكة خرجوا يوم الحديبية يرمون المسلمين ، فرماهم المسلمون بالحجارة ، حتى أدخلوهم بيوت مكة ، وروى حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس قال : طلع قوم وهم ثمانون رجلاً على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قبل التنعيم عند صلاة الصبح ليأخذوه ، فأخذهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِى كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم } { بِبَطْنِ مَكَّةَ } يعني بوسط مكة { مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } يعني سلطكم عليهم { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } بحرب بعضكم بعضاً . قوله تعالى : { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني : جحدوا بوحدانية الله تعالى { وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أن تطوفوا به { وَٱلْهَدْىَ مَعْكُوفاً } يعني : محبوساً ، يقال عكفته عن كذا إذا حبسته ، ومنه العاكف في المسجد لأنه حبس نفسه ، يعني : صيروا الهدي محبوساً عن دخول مكة ، وهي سبعون بدنة ، ويقال : مائة بدنة { أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } يعني : منحره ، ومنحرة : منى للحاج ، وعند الصفا للمعتمر ثم قال : { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَـٰتٌ } بمكة { لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ } أنهم مؤمنون ، يعني لم تعرفوا المؤمنين من المشركين { أَنْ تَطَئُوهُمْ } يعني : تحت أقدامكم ، ويقال فتضربوهم بالسيف { فَتُصِيبَكمْ مّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ } يعني : تلزمكم الدية { بِغَيْرِ عِلْمٍ } يعني : بغير علم منكم لهم ، ولا ذنب لكم ، وذلك أن بعض المؤمنين كانوا مختلطين بالمشركين ، غير متميزين ولا معروفي الأماكن ، ثم قال : { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَـٰتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ } لو دخلتموها أن تقتلوهم { لّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِى رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء } لو فعلتم فيصيبكم من قتلهم معرة ، يعني يعيركم المشركون بذلك ويقولون قتلوا أهل دينهم ، كما قتلونا ، فتلزمكم الديات ثم قال : { لَوْ تَزَيَّلُواْ } أي تميزوا من المشركين { لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني : لو تميزوا بالسيف ، وقال القتبي : صار قوله { لَعَذَّبْنَا } جواباً لكلامين : أحدهما - لولا رجال مؤمنون ، والآخر : لو تزيلوا : يعني : لو تفرقوا واعتزلوا يعني : المؤمنين من الكافرين - لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُواْ { مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } يعني : شديداً وهو القتل قوله تعالى : { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } يعني : أهل مكة { فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ } وذلك أنهم قالوا قتل آباءنا وإخواننا ثم أتانا يدخل علينا في منازلنا ، والله لا يدخل علينا ، فهذه الحمية التي في قلوبهم { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ } يعني : طمأنينته { عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } فأذهب عنهم الحمية حتى اطمأنوا وسكتوا { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } يعني : ألهمهم كلمة لا إلٰه إلا الله حتى قالوا { وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا } يعني : كانوا في علم الله تعالى أحق بهذه الكلمة من كفار مكة { وَأَهْلُهَا } يعني : وكانوا أهل هذه الكلمة عند الله تعالى { وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلّ شَىْء عَلِيماً } يعني : عليماً بمن كان أهلاً لذلك وغيره .