Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 12-14)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ ٱلظَّنّ } يعني : لا تحققوا الظن : { إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنّ إِثْمٌ } يعني : معصية ، أي إِنَّ ظن السوء بالمسلم معصية ، وقال سفيان الثوري : الظن ظنان ، ظن فيه إثم ، وظن لا إثم فيه ، فالظن الذي فيه إثم ، أن يظن ويتكلم به ، وأما الظن الذي لا إثم فيه ، فهو أن يظن ولا يتكلم به ، لأنه قال { إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنّ إِثْمٌ } ولم يقل جميع الظن إثم ثم قال : { وَلاَ تَجَسَّسُواْ } يعني : لا تطلبوا ولا تبحثوا عن عيب أخيكم { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } روى أسباط عن السدي قال : كان سلمان الفارسي في سفر مع ناس فيهم عمر ، فنزلوا منزلاً فضربوا خيامهم ، وصنعوا طعامهم ، ونام سلمان ، فقال بعض القوم لبعض : ما يريد هذا العبد إلا أن يجد خياماً مضروبة ، وطعاماً مصنوعاً ، فلما استيقظ سلمان قالوا له : انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتمس لنا إداماً نأتدم به ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عليه السلام : " أخبرهم أنهم قد ائتدموا ، فأخبرهم ، فقالوا ما طعمنا بعد ، وما كذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتوه فقال : ائتدمتم من صاحبكم حين قلتم ما قلتم وهو نائم " ، ثم قرأ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً { أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ } يعني : فكما تكرهون أكل لحمه ميتاً ، فكذلك اجتنبوا ذكره بالسوء وهو غائب ، ويقال : كان سلمان في سفر مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وكان يطبخ لهما فنزلوا منزلاً ، فلم يجد ما يصلح لهم أمر الطعام ، فبعثاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لينظر عنده شيئاً من الطعام ، فقال أسامة : لم يبق عند النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء من الطعام ، فرجع إليهما فقالا إنه لو ذهب إلى بئر كذا ليبس ماؤها ، فنزلت هذه الآية ، ويقال نزلت في شأن زيد بن ثابت ، وذلك أن نفراً ذكروا فيه شيئاً فنزل { وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً } قرأ نافع : ( مَيِّتاً ) بتشديد الياء والخفض ، والباقون بالجزم ، وقال أهل اللغة : الميت والميت واحد مثل ضيق وضيق ، وهين وهين ، ولين ولين ثم قال : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في الغيبة وتوبوا إليه { إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ } يعني : قابل التوبة { رَحِيمٌ } بهم بعد التوبة قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } قال مقاتل : وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما فتح مكة أمر بلالاً ليؤذن ، فقال الحارث بن هشام أما وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الغراب ، يعني بلال فنزل يَا أَيُّهَا النَّاسُ { إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ } يعني : آدم وحواء { وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ } يعني : رؤوس القبائل مثل مضر وربيعة ، وقبائل يعني : الأفخاذ مثل بني سعد وبني عامر { لِتَعَـٰرَفُواْ } في النسب { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ } يعني : وإن كان عبداً حبشياً أسود مثل بلال ، وقال في رواية الكلبي نزلت في ثابت بن قيس ، كان في أذنيه ثقل ، وكان يدنو من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليسمع كلامه ، فأبطأ يوماً واحداً وقد أخذ الناس مجالسهم فجاء فتخطى رقابهم حتى جلس قريباً من النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رجل من القوم هذا يتخطى رقابنا فلم لا يجلس حيث وجد المكان ، فقال ثابت : من هذا ؟ فقالوا فلان ، فقال ثابت : يا ابن فلانة وكان يعير بأمه فخجل ، فنزلت هذه الآية ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من عير فلاناً بأمه ؟ فقال ثابت بن قيس : أنا قد ذكرت شيئاً ، فقرأ هذه الآية عليه فاستغفر ثابت " ، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : القبائل والأفخاذ الصغار ، والشعوب : الجمهور مثل مضر ، وقال الضحاك : الشعوب : الأفخاذ الصغار ، والقبائل مثل بني تميم وبني أسد ، وقال القتبي : الشعوب : أكثر من القبيلة وقال الزجاج : الشعب أعظم من القبيلة ، ومعناه : إني لم أخلقكم شعوباً وقبائل لتتفاخروا وإنما خلقناكم كذلك لتعارفوا ، روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يقول عز وجل : إنكم جعلتم لأنفسكم نسبا وجعلت لنفسي نسباً فرفَعْتُم نَسَبَكُم وَوَضَعْتُمْ نَسَبي ، فَالْيَوْمَ أَرْفَعُ نَسَبِي وَأَضَعُ نَسَبَكُم ، يعني : قلت إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَـاكُمْ وَقلتم أنتم فلان وفلان " ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ } بأتقيائكم { خَبِيرٌ } بافتخاركم { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ ءامَنَّا } قال ابن عباس : نزلت في بني أسد ، قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قحط أصابهم ، فجاؤوا بأهاليهم ، وذراريهم يطلبون الصدقة ، وأظهروا الإسلام ، وقالوا يا رسول الله نحن أسلمنا طوعاً ، وقدمنا بأهالينا فأعطنا من الغنيمة أكثر مما تعطي غيرنا ، ويقال كانت قبيلتان جهينة ، ومزينة قدموا بأهاليهم فنزلت الآية { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ ءامَنَّا } يعني : صدقنا { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } يعني : لم تصدقوا في السر ، كما صدقتم في العلانية { وَلَـٰكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } يعني : دخلنا في الانقياد والخضوع ، ويقال : استسلمنا مخافة القتل والسبي { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَـٰنُ فِى قُلُوبِكُمْ } يعني : التصديق ، ويقال : لم يدخل حب الإيمان في قلوبكم { وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } في السر كما تطيعونه في العلانية { لاَ يَلِتْكُمْ مّنْ أَعْمَـٰلِكُمْ شَيْئاً } يعني : لا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئاً ، قرأ أبو عمرو ( لاَ يَأْلِتْكُم ) بالألف والهمز ، والباقون ( لاَ يَلِتْكُمْ ) بغير ألف ولا همز ، ومعناهما واحد ، يقال : لاته يلته ، وألته يألته إذا نقص حقه . { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } لو صدقوا بقلوبهم ، ثم بين الله عز وجل لهم من المصدق .