Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 9-11)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى الأنصار ليكلمهم في أمر من الأمور ، وهو على حماره فبال الحمار وهو راكب عليه يكلم الأنصار ، فقال عبد الله بن أُبيّ المنافق : خل للناس سبيل الريح من نتن هذا الحمار ، ثم قال أف وأمسك على أنفه ، فشق على النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله ، فانصرف عبد الله بن رواحة ، فقال : اتقوا هذا ، لحمار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله لبوله أطيب ريحاً منك ، فاقتتلا ، فاجتمع قوم ابن رواحة وهم الأوس ، وقوم عبد الله بن أبي وهم الخزرج ، فكان بينهم ضرب النعال والأيدي والسعف ، ورجع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأصلح بينهم ، فأنزل الله تعالى : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا } بالعدل ، فكره بعضهم الصلح فنزل قوله { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ } يعني : استطالت فلم ترجع إلى الصُّلح { فَقَـٰتِلُواْ ٱلَّتِى تَبْغِى } يعني : تظلم { حَتَّىٰ تَفِىء إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ } يعني : ترجع إلى ما أمر الله عز وجل ، وروى أسباط عن السدي قال : كانت امرأة من الأنصار يقال لها أم زيد ، فأبغضت زوجها ، وأرادت أن تلحق بأهلها وكان قد جعلها في غرفة له ، وأمر أهله أن يحفظوها ، وخرج إلى حاجة له ، فأرسلت إلى أهلها ، فجاء ناس من أهلها وأرادوا أن يذهبوا بها فاقتتلوا بالنعال والتلاطم ، فنزل قوله تعالى : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } الآية ثم صارت الآية عامة في جميع المسلمين ، إذا اقتتل فريقان من المسلمين وجب على المؤمنين الإصلاح بين الفريقين ، فإن ظهر أن أحد الفريقين ظالم ، فإنه يقاتل ذلك الفريق حتى يرجع إلى حكم الله ثم قال : { فَإِن فَاءتْ } يعني ؛ رجعت إلى الصلح { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ } يعني : بالحق { وَأَقْسِطُواْ } يعني ؛ اعدلوا بين الفريقين ولا تميلوا { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } يعني : العادلين ثم قال عز وجل : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } يعني : كالأخوة في التعاون ، لأنهم على دين واحد ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - " المُؤْمِنَ للمُؤْمِن كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعضُهُ بَعْضاً " وَرُوي عنه أنه قال " المُؤْمِنُونَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ إِذَا اشْتَكَى عُضْوٌ تَدَاعَى سَائِر الأَعْضَاءِ إِلَى الحُمَّى وَالسَّهَرِ " ( ثم قال : { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } يعني : الفريقين من المؤمنين مثل الأوس والخزرج فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ) قرأ ابن سيرين إِخْوَانِكُم بالنون ، وقرأ يعقوب الحضرمي بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ بالتاء ، يعني جمع الأخ ، وقراءة العامة أَخَوَيْكُمْ بالياء على تثنية الأخ ، يعني : بين كل أخوين ثم قال : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } يعني اخشوا الله عز وجل ولا تعصوه لكي ترحموا فلا تعذبوا قوله عز وجل : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ } يعني : لا يستهزىء الرجل من أخيه ، وقال بعضهم : الآية نزلت في ثابت بن قيس ، حيث عير الذي لم يوسع له في المكان ، وقال بعضهم : الآية نزلت في الذين ينادونه من وراء الحجرات ، استهزؤوا من ضعفاء المسلمين : { عَسَىٰ أَن يَكُونُواْ خَيْراً مّنْهُمْ } يعني : أفضل منهم وأكرم على الله تعالى : { وَلاَ نِسَاء مّن نّسَاء } يعني : لا تستهزىء امرأة من امرأة ، وذلك أن عائشة رضي الله عنها قالت إن أم سلمة جميلة لولا أنها قصيرة { عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مّنْهُنَّ } يعني أفضل ، ثم صارت الآية عامة في الرجال والنساء ، فلا يجوز أحد أن يسخر من صاحبه ، أو من أحد من خلق الله تعالى ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه : البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب خشيت أن أكون مثله ثم قال : { وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ } يعني : لا يطعن بعضكم بعضاً ، وقال القتبي : ولا تغتابوا إخوانكم من المسلمين لأنهم كأنفسكم ، كما قال { ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً } [ النور : 12 ] يعني بأمثالهم ثم قال { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ } يعني : لا تسموا باللقب ، وقال محمد بن كعب القرظي : هو الرجل يكون على دين من الأديان فيسلم فيدعونه بدينه الأول ، يا يهودي ويا نصراني ، ويقال : لا تعيروا المسلم بالملة التي كان عليها ، ولا تسموه بغير دين الإسلام ، وقال أهل اللغة : الألقاب والأنباز واحد ، ومنه قيل في الحديث : " قوم نَبزُهم الرافضة " أي لقبهم { وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَـٰبِ } أي لا تداعوا بها ، ويقال : هو اللقب الذي يكرهه الرجل ، يعني أنه ينبغي للمؤمن أن يخاطب أخاه بأحب الأسماء إليه ، وقرأ بعضهم " وَلاَ تَلْمِزُواْ " بضم الميم ، وقراءة العامة بالكسر ، وهما لغتان ، يقال لمز فلان فلاناً يلمز ويلمزه إذا عابه ، وذكر في التفسير أن الآية نزلت في مالك بن أبي مالك ، وعبد الله بن أبي حدرد ، وذلك أن أبا مالك كان على المقاسم ، فقال لعبد الله بن أبي حدرد الأسلمي : يا أعرابي ، فقال له عبد الله يا يهودي ، فأمرهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدخلا عليه حتى تظهر توبتهما ، فنزل { بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإِيمَانِ } يعني : بئس التسمية لإخوانكم بالكفر وهم مؤمنون { وَمَن لَّمْ يَتُبْ } من قوله { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } . فأوثقا أنفسهما حتى قبلت توبتهما .