Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 32-34)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الله تعالى : { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ } يعني من أجل خيانة ابن آدم حين قتل أخاه ، { كَتَبْنَا } يعني فرضنا { عَلَىٰ بَنِي إِسْرٰءِيلَ } وغلّظنا وشدّدنا في التوراة { أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ } يعني قتل نفساً بغير أن يقتل نفساً { أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ } يعني بغير فساد في الأرض ، وهو الشرك بالله . { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } . يعني إذا قتل نفساً بغير جُرم ، واستحل قتله ، فكأنه قتل الناس جميعاً يعني إذا قتل نفساً فجزاؤه جهنم خالداً فيها . ثم قال : { وَمَنْ أَحْيَـٰهَا } يعني نجّاها من غرق ، أو حرق ، أو يعفو عن القتل { فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً } يعني له من الأجر كأنما أحيا الناس جميعاً ، لأن في حياة نفس واحدة يكون منفعة لجميع الناس ، لأنه يدعو لجميع الخلق ، ثم قال : { وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } يعني بالبيان في الأمر والنهي { ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ } البيان { فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } يعني لمشركون تاركون لأمر الله تعالى . قوله تعالى : { إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } إن للتأكيد ، وما : صلة يحاربون الله ورسوله ، يعني يخالفون الله ورسوله ، ويتركون أمر الله وأمر رسوله مجاهرة وعياناً { وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً } بالقتل وأخذ المال . { أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ } . قال مقاتل : " نزلت هذه الآية في سبعة نفر من بني عرينة ، قدموا المدينة فاجتووها . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « لو خرجتم إلى إبلنا وأصبتم من ألبانها وأبوالها " ، ففعلوا فصحوا ، ثم مالوا على الرعاة فقتلوهم وساروا بالإبل وارتدوا عن الإسلام ، فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - في آثارهم علياً ، فأتى بهم ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم وتركهم بالحَرَّة حتى ماتوا ، وهذا قبل أن تنزل آية الحدود . وروى أسباط عن السدي قال : نزلت في سودان عرينة ، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمثل بهم فنهاه الله تعالى عن ذلك وأمره أن يقيم فيهم الحد الذي أنزل عليه . وقال سعيد بن جبير أنه مثل بهم ثم نزل بعد ذلك : { إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ } الآية . وقال ابن عباس في رواية أبي صالح : وادع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بردة هلال بن عويمر الأسلمي على أن لا يعينه ولا يعين عليه ، ومن أتاه من المسلمين فهو آمن ، ومن أتى المسلمين منهم فهو آمن فمر أناس من بني كنانة يريدون الإسلام ، فمروا بأصحاب أبي بردة ولم يكن أبو بردة حاضراً يومئذٍ فخرج أصحابه إليهم ، فقتلوهم وأخذوا أموالهم فنزلت هذه الآية : { إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ … } الآية . ثم صارت الآية عامة في جميع الناس . واختلف العلماء في حكمهم : وهم قطاع الطريق وهم ثلاثة أصناف : صنف يأخذ المال ولا يقتل ، وصنف يأخذ المال ويقتل ، وصنف يقتل ولا يأخذ المال ، قال بعضهم : إذا وجد من إنسان صنف من هذه الأصناف فللإمام أن يقيم عليه أي عقوبات شاء ، لأن الله تعالى قال : { أَن يُقَتَّلُواْ ، أَوْ يُصَلَّبُواْ . … } فقد خُيِّر في عقوبتهم وهو قول الحسن وعطاء . وقال بعضهم : لكل صنف عقوبة على حدة . والاختيار عند أصحابنا رحمهم الله أنه إن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وإن قتل ولم يأخذ المال : قتل ، وإن قتل وأخذ المال : قطع وقتل عند أبي حنيفة ، وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله يقتل ولا يقطع . وروي عن سعيد بن جبير أنه قال : إن قَتل قُتل ، وإن قَتل وأخذ المال قطعَ ثم صلب . وروي عن ابن عباس نحو هذا ويكون أو بمعنى الواو فكأنه قال : أن يقتلوا ويصلبوا { أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَـٰفٍ } . وقال بعضهم : يقتل ثم يصلب على وجه النكال والعبرة . وقال بعضهم : يصلب حياً ثم يطعن في ليته ، يخضخض حتى يموت . قوله تعالى : { أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ } يعني يطلب حتى لا يجد قراراً في موضع ويقال : { يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ } يعني يحبس فينفى من سعة الدنيا إلى ضيقها ، فصار كأنه نفي عن الأرض . واحتج هذا القائل بقول بعض أهل السجن في ذلك : @ خَرَجْنَا من الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنَ أهْلِها فَلَسْنَا من الأمواتِ فيها ولاَ الأَحْيَا إذا جاءنَا السَّجَّان يَوْماً لِحَاجَةٍ عَجِبْنَا ، وقلنا : جَاءَ هذا من الدُّنْيَا @@ ويقال : ينفى إلى دار الحرب . ثم قال تعالى : { ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا } يعني ذلك القتل والقطع لهم عذاب وعقوبة في الدنيا ولا يكون ذلك كفارة لذنوبهم إن لم يتوبوا { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } أي أشد مما كان في الدنيا وهو عذاب النار . ثم استثنى فقال تعالى : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } يعني رجعوا عن صنيعهم قبل أن يؤخذوا ويردوا المال فلا يعاقبون في الدنيا ولا في الآخرة ويغفر الله تعالى لهم ذنوبهم وذلك قوله : { فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } غفور لذنوبهم رحيم حين قبل توبتهم .