Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 27-31)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَاتْلُ عَلَيْهِم } يعني اقرأ على قومك { نَبَأَ } يعني خبر { ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ } يعني بالصدق { إِذْ قَرَّبَا قُرْبَـٰناً } وذلك أن حواء - عليها السلام - ولدت غلاماً وجارية في بطن واحد ، قابيل وأخته إقليما ، ثم ولدت في بطن آخر هابيل وأخته ليوذا ، فلما كبروا أمر الله تعالى بأن يزوج كل واحد منهما أخت صاحبه ، وكانت أخت قابيل أحسن فأبى قابيل وقال : بل زوج كل واحد منا أخته ، فقال آدم : إن الله تعالى أمرني بذلك ، فقال له قابيل : إن الله تعالى لم يأمرك بهذا ، ولكنك تميل إلى هابيل ، فأمرهما بأن قربا قرباناً ، فأيكما تقبل قربانه ، كان أحق بها فعمد قابيل ، وكان صاحب زرع إلى شر زرعه ، ووضعه عند الجبل وعمد قابيل ، وكان صاحب مواشي إلى خير غنمه ، فوضعها عند الجبل ، وكان قابيل يضمر في قلبه أنه إن تقبل منه أو لم يتقبل لا يسلم إليه أخته ، فنزلت نار من السماء فأكلت قربان هابيل ، وكان ذلك علامة القبول ، وتركت قربان قابيل ، فذلك قوله : إذ قربا قرباناً يعني وضعا قرباناً { فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا } يعني هابيل { وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ } يعني قابيل ، فـ { قَالَ } قابيل لهابيل { لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ } ولم ؟ قال : لأن الله قد قبل قربانك ، ورد عليّ قرباني ، فقال له هابيل : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } ولم يكن الذنب مني ، وإنما لم يتقبل منك لخيانتك وسوء نيتك . وقال بعض الحكماء : العاقل من يخاف على حسناته ، لأن الله تعالى قال : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } والخاسر من يأمن من عذاب الله لأن الله تعالى قال : { فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ } [ الأعراف : 99 ] . قوله تعالى : { لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ } يعني هابيل قال لقابيل ، لئن مددت إلي يدك { لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَِقْتُلَكَ إِنّي أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ثم قال : { إِنّي أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } يعني ، إني أريد أن ترجع بإثمي ، يعني بقتلك إياي ، وبإثمك الذي عملت قبل قتلي وهي الخيانة في القربان وغيره . ويقال : إني أريد أن ترجع بإثمي يعني أن لا أبسط يدي إليك ، لترجع أنت بإثمي وإثمك ، ولا يكون علي من الإثم شيء . ويقال : معناه إني أريد أن تؤخذ بإثمي وإثمك { فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ } يعني لكي لا يكون من أصحاب النار { وَذَلِكَ جَزَاء ٱلظَّـٰلِمِينَ } قال الله تعالى : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } يعني تابعت له نفسه على قتل أخيه ، ( ويقال : انقادت له طاعة نفسه . وقال قتادة : زينت له نفسه بقتل أخيه ) { فَقَتَلَهُ } . قال بعضهم : إنه كان لا يدري كيف يقتله ، حتى جاء إبليس فتمثل عنده برجلين فأخذ أحدهما حجراً ولم يزل يضرب الآخر حتى قتله فتعلم ذلك منه . وقال بعضهم : بل كان يعرف ذلك بطبعه ، لأن الإنسان وإن لم ير القتل فإنه يعلم بطبعه أن النفس فانية ويمكن إتلافها ، فأخذ حجراً وقتله بأرض الهند ، فلما رجع إلى آدم قال له : ما فعلت بهابيل ، فقال له قابيل : أجعلتني رقيباً على هابيل ؟ فذهب حيث يشاء ، فبات آدم تلك الليلة محزوناً ، فلما أصبح قابيل رجع إلى الموضع الذي قتله ، فرأى غراباً وقال بعضهم : كان يحمله على عاتقه أياماً لا يدري ما يصنع به ؟ حتى رأى غراباً ميتاً ، فجاء غراب آخر ، وبحث التراب برجليه ، ودفن الغراب الميت في التراب فذلك قوله تعالى : فقتله { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ } يعني فصار من المغبونين في العقوبة . قوله تعالى : { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ } وقابيل ينظر إليه وقال القتبي : هذا من الاختصار ، ومعناه ، بعث غراباً يبحث التراب على غراب الميت { لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ } يعني كيف يغطي عورة أخيه { قَالَ } قابيل عند ذلك : { يَـٰوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ } يعني أضعفت في الحيلة { أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي } يعني فأغطي عورة أخي ، { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ } على حمله حيث لم يدفنه حين قتله . قال ابن عباس : ولو كانت ندامته على قتله ، لكانت الندامة توبة منه ، ويقال : إن آدم وحواء أتيا قبره ، وبكيا أياماً عليه ، ثم إن قابيل كان على ذروة جبل فنطحه ثور فوقع على السفح ، فتفرقت عروقه . ويقال : دعا عليه آدم فانخسفت به الأرض . وقال مقاتل : كان قبل ذلك السباع والطيور تستأنس بآدم فلما قتل قابيل أخاه هربوا ، فحلقت الطيور بالهواء ، والوحوش بالبرية ، والسباع بالغياض ، فتزوج شيث - عليه السلام - بإقليما . وروي عن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا تقتل نفس ظلماً ، إلا كان على ابن آدم الأول كِفْلٌ من دمها ، لأنه أول من سن القتل " وقال بعضهم : هذه القصة كان في بني إسرائيل وهما أخوان قتل أحدهما الآخر ، ولكن هذا خلاف قول المفسرين .