Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 42-42)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال تعالى : { سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّـٰلُونَ لِلسُّحْتِ } . قرأ أبو عمرو وابن كثير والكسائي ( السحت ) بضم الحاء ، وقرأ الباقون بضمة واحدة ، وهما لغتان السُّحْتُ ، والسُّحُت وهو الاستئصال ، يقال : أسحته وسَحَتُّه إذا استأصله ، وكانوا يأكلون الرِّشا وكان عاقبته الاستئصال ، فسماه به كما قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً } [ النساء : 10 ] « أي : يأكلون ما عاقبته نار » . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " كل لحم نبت بالسحت فالنار أولى به ، قالوا يا رسول الله وما السحت ؟ قال : الرشوة في الحكم . وقال عليه السلام : لعن الله الراشي والمرتشي " وروي عن وهب بن منبه أنه قيل له : الرشوة حرام في كل شيء ؟ فقال : لا إنما يكره من الرشوة ، أن ترشو لتعطي ما ليس لك ، أو تدفع حقاً قد لزمك ، فأما إذا أردت أن ترشو لتدفع عن دينك ودمك ومالك فليس بحرام . قال الفقيه أبو الليث : وبهذا القول نأخذ ، لا بأس بأن يدفع الرجل عن نفسه وماله بالرشوة . وهذا كما روي عن عبد الله بن مسعود أنه كان بالحبشة فرشا بدينارين وقال : إنما الإثم على القابض دون الدافع . ثم قال : { فَإِن جَاءَوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } يعني أهل الكتاب إذا خاصموا إليك فأنت بالخيار ، إن شئت فاحكم بينهم وإن شئت فأعرض عنهم ولا تحكم بينهم ، ثم قال : { وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ } . يعني بالعدل ، وهو الرجم . ولها وجه آخر : أن الصلح كان بينهم أن تكون جراحات بني قريظة نصف من جراحات بني النضير ، وفي القتل كذلك ، فأمر الله تعالى بأن يحكم بالعدل بينهم ، وهو قوله عز وجل : { وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِٱلْقِسْطِ } { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } يعني العادلين في الحكم . وروي عن عكرمة أنه قال : { فَإن جاءوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ ، أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } . نسختها آية أخرى : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } [ المائدا : 49 ] وقال مجاهد : لم ينسخ من المائدة إلا آيتان قوله : { فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } نسختها ، { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ } [ المائدا : 49 ] . وقوله : { لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ } [ المائدة : 2 ] نسختها ، قوله : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] . وقال الزهري : مضت السنة أن يرد أهل الكتاب في حقوقهم ومواريثهم إلى أهل دينهم ، إلا أن يأتوا راغبين حكم الله ، فيحكم بينهم بكتاب الله تعالى . وهذا القول ، يوافق قول أبي حنيفة ، أن لا يحكم بينهم ما لم يتراضوا بحكمنا .