Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 40-41)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال عز وجل : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } يعني خزائن السموات والأرض . يعني : خزائن السموات : المطر وخزائن الأرض : النبات . ويقال : له ملك السموات والأَرض يحكم فيها ما يشاء { يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ } إذا أصر على ذنوبه { وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ } إذا تاب ورجع ، ومعناه أن السارق إذا تاب ورد المال لا يقطع ويتجاوز عنه وإن لم يتب قطعت يده . ألا ترى أن الله تعالى قال : { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ ، يُعَذّبُ } إذا لم يتب ويتجاوز إذا تاب ، فافعلوا أنتم مثل ذلك لأن الله تعالى مع قدرته يتجاوز عن عباده وهو قوله : { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْء قَدِيرٌ } من المغفرة والعذاب . قوله تعالى : { يا أَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } نزلت في شأن « أبي لبابة بن عبد المنذر » ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حاصر بني قريظة فأشار إليهم أبو لبابة وكان حليفاً لهم ، إنكم إن نزلتم من حصونكم قتلكم فلا تنزلوا ، فنزلت هذه الآية : { يا أَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ } أي يبادرون ويقعون في الكفر { مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ : ءامَنَّا بِأَفْوٰهِهِمْ } يعني ذلك بألسنتهم { وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } في السر . وقال الضحاك نزلت الآية في شأن المنافقين كانت علانيتهم تصديقاً ، وسرائرهم تكذيباً . قوله تعالى : { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } يعني : قوالون للكذب وقال القتبي : تفسير { سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } أي : قابلون للكذب لأن الرجل يسمع الحق والباطل ، ولكن يقال : لا تسمعْ من فلان قولاً أي لا تقبله ، ومعنى آخر : إنهم يسمعون منك ليكذبوا عليك لأنهم إنما جالسوه لكي يقولوا : سمعنا منه كذا وكذا ، وإنما صار { سَمَّـٰعُونَ } رفعاً لأن معناه هم { سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ } من { سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ } يعني أهل خيبر لم يأتوك وذلك أن رجلاً وامرأة من أهل خيبر زنيا فكرهوا رجمهما فكتبوا إلى يهود بني قريظة : أن يذهبوا بهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن حكم بالجلد رضوا عنه بحكمه ، وإن حكم بالرجم لم يقبلوا ، " وروى نافع عن ابن عمر أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكروا له : أن رجلاً وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : « ما تجدون في التوراة في شأن الرجم ؟ » . فقالوا : يحممان ويجلدان يعني تسود وجوههما فقال عبد الله بن سلام : كذبتم إن فيها آية الرجم فأتوا بالتوراة ، فأتوا بها فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها وقال له عبد الله بن سلام : ارفع يدك ، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا صدق عبد الله بن سلام يا محمد ، فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجما " قال ابن عمر : فرأيت الرجل يحنو على المرأة يقيها الحجارة . وروى الشعبي عن جابر بن عبد الله أنه قال : " زنا رجل من أهل فَدَك فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة ، أن يسألوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فإن أمركم بالحد فحدوه وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه ، فسألوه فدعا ابن صوريا ، وكان عالمهم وكان أعور فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنشُدك الله كيف تجدون حد الزاني في كتابكم ؟ . فقال ابن صوريا : فأما إذ ناشدتني بالله فإنا نجد في التوراة أن النظر زنية والاعتناق زنية ، والقبلة زنية فإن شهد أربعة بأنهم رأوه كالميل في المكحلة فقد وجب الرجم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : هو ذلك " وروي عن أبي هريرة قال : بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاء رجال من اليهود ، وقد تشاوروا في صاحب لهم ، زنا بعدما أُحْصن قالوا : فانطَلقوا فلنسأل هذا النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن أفتانا بفتوى فيها تخفيف فاحتججنا عند الله تعالى بها ، وإن أفتانا بما فرض الله علينا في التوراة من الرجم تركنا ذلك فقد تركنا ذلك في التوراة وهي أحق أن تطاع ، فقالوا : يا أبا القاسم : إنه زنى صاحبٌ لنا قد أحصن فما ترى عليه من العقوبة ؟ فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقمنا معه ، حتى أتى بيت مدراس اليهود فوجدهم يتدارسون التوراة ، فقال لهم " يا معشر اليهود أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى عليه السلام ما تجدون في التوراة من العقوبة على من زنى وقد أحصن » ؟ فقالوا : إنا نجد أن يجلد ويحمم ، وسكت حبرهم وهو في جانب البيت ، فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ينشده فقال له حبرهم إذا ناشدتنا فإنا نجد عليه الرجم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ] كان أول ما ترخصتم به أمر الله تعالى ؟ قال : إنه قد زنى رجل قد أحصن وهو ذو قرابة لملك من ملوكنا فسجنه وأخر عنه الحد وزنى رجل آخر فأراد الملك رجمه فجاء قومه وقالوا : لا ترجمْه حتى ترجم فلاناً فاصطلحوا بينهم على عقوبة دون الرجم وتركوا الرجم . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - « فإني أقضي بينكم بما في التوراة " فنزل قوله تعالى : { وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ سَمَّـٰعُونَ لِلْكَذِبِ ، سَمَّـٰعُونَ لِقَوْمٍ ءاخَرِينَ } { لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوٰضِعِهِ } . قال الزجاج : يعني : من بعد أن وضعه الله تعالى مواضعه ، وأحل حلالة وحرم حرامه { يَقُولُونَ : إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ } . يعني : إن أمركم بالجلد فاقبلوه واعملوا به { وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ } يقولون : إن لم يوافقكم على ما تطلبون ويأمركم بالرجم فلا تقبلوا منه ، قال الله تعالى : { وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ } يعني كفره وشركه - . ويقال : فضيحته ويقال : اختباره { فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } يقول لن تقدر أن تمنعه من عذاب الله شيئاً . ثم قال : { أُوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ } من الكفر ولم يرد أن يدخل حلاوة الإيمان في قلوبهم وخذلهم مجازاة لكفرهم . { لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ } يعني القتل والسبي والجزية ، وهو قتل بني قريظة ، وإجلاء بني النضير ، { وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . أعظم مما كان في الدنيا .