Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 48-50)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَأنْزَلْنَا إلَيْكَ ٱلكِتَابَ بِٱلحَقِّ } يعني أنزلنا إليك يا محمد الكتاب بالحق ، يعني : بيان الحق ، ويقال : بالعرض والحجة ولم ينزله بغير شيء ، { مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ } يعني موافقاً للتوراة والإنجيل والزبور في التوحيد ، وفي بعض الشرائع ، ثم قال تعالى : { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } يقول : شاهداً على سائر الكتب ، بأن الكتاب الأول من الله تعالى ، ويقال : ( مهيمناً عليه ) يعني قاضياً عليه . ويقال : ناسخاً لسائر الكتب . وروي عن ابن عباس أنه قال : مؤتمناً على ما قبله . وقال القتبي : أميناً عليه . ويقال : ومهيمناً عليه في معنى مؤتمن . إلا أن الهاء أبدلت من الهمزة ، كما يقال : هَرَقْتُ الماء ، وأرَقْتُه ، وإياك ، وهياك . ثم قال : { فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } يعني فاحكم بين الناس بما أنزل الله تعالى في القرآن ، { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ } يعني لا تعمل بأهوائهم ومرادهم { عَمَّا جَاءكَ مِنَ ٱلْحَقِّ } يعني لا تترك الحكم بما بين الله تعالى في القرآن من بيان الحق ، وبيان الأحكام ، ثم قال : { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } يقول : جعلنا لكل نبي شريعة ، والإيمان واحد ، ولم يختلف الرسل في الإيمان ، وإنما اختلفوا في الشرائع ، قال القتبي : الشرعة والشريعة واحد ، يعني السنة ، والمنهاج : الطريق الواضح ، وقال الزجاج : الشرعة والدين والمنهاج : الطريق . وقد قيل : هما شيء واحد ، وهو الطريق . ويقال : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَـٰجاً } معناه فرضت على كل أمة ما علمت أن صلاحهم فيه . ثم قال : { وَلَوْ شَاء ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً } يعني جعلكم على شريعة واحدة ، { وَلَـٰكِن لّيَبْلُوَكُمْ } ليخبركم { فِيمَا ءاتَـٰكُمُ } يعني أمركم من السنن والشرائع المختلفة ، ليتبين من يطيع الله فيما أمره ونهاه ومن يعصيه . ثم قال : { فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } يعني : بادروا بالطاعات وبالأعمال الصالحة ، وإلى الصف المقدم ، والتكبيرة الأولى ، ثم قال : { إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } من الدين والسنن يوم القيامة . فهذا وعيد وتهديد لتستبقوا الخيرات ولا تتبعوا البدعة ولا تخالفوا الكتاب . ثم قال : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } وذلك أن يهود بني النضير قالوا فيما بينهم : اذهبوا بنا إلى محمد - عليه السلام - لعلنا نفتنه عن دينه وإنما هو بشر ، فأتَوْه فقالوا : يا محمد إنك قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم ، وسادتهم ، وإنا إن اتبعناك اتبعك اليهود ، ولن يخالفونا ، وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك ، فتقضي لنا عليهم ، فنؤمن بك فأبى النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك فنزلت هذه الآية . { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } يعني اقضِ بينهم بما في القرآن . { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ } في الحكم { وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ } يعني يصرفوك { عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } وقال في رواية الضحاك تزوج مجوسي ابنته ، فجاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وطلبت نفقتها ، فأمر الله تعالى رسوله أن يفرق بينهما بقوله : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ } . وقال في رواية الكلبي : طلبوا منه بأن يحكم بينهم في الدماء على ما كانوا عليه في الجاهلية فنزل : { وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ } . قال القتبي : أصل الفتنة الاختبار ، ثم يستعمل في أشياء يستعمل في التعذيب كقوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ } [ البروج : 10 ] ، وكقوله : { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } [ الذاريات : 13 ] وتكون الفتنة : الشرك كقوله : { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } [ البقرة : 193 ] ، وتكون الفتنة : العبرة ، كقوله : { لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ } [ يونس : 85 ] وتكون الفتنة الصد عن السبيل ، كقوله : { وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ } . ثم قال : { فَإِن تَوَلَّوْاْ } يعني أبَوْا أن يرضوا بحكمك { فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } يعني يعذبهم في الدنيا ، قال الكلبي : يعني بالجلاء إلى الشام ، والإخراج من دورهم ، وقال الضحاك : يعني يريد الله أن يأمر بهم إلى النار بذنوبهم . ثم قال : { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ } يعني رؤساء اليهود { لَفَـٰسِقُونَ } يعني لكافرون ، والفاسق : هو الذي يخرج عن الطاعة . ثم قال : { أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ } يعني يطلبون منك شيئاً لم ينزله الله إليك في حكم الزنا والقصاص ، كما يفعل أهل الجاهلية . قرأ ابن عامر ومن تابعه من أهل الشام : ( تبغون ) على معنى المخاطبة ، وقرأ الباقون : بالياء على معنى المغايبة . ثم قال : { وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً } يقول : ومن أعدل من الله قضاءً { لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } يعني يصدقون بالقرآن .