Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 82-86)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلْيَهُودَ } وهم يهود بني قريظة وبني النضير ، { وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } يعني مشركي أهل مكة ، { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُواْ : إِنَّا نَصَارَىٰ } قال بعضهم : إنما أراد الذين هم النصارى في ذلك الوقت لأنهم كانوا أقل مظاهرة على المؤمنين ، وأسرع إجابة للإسلام . وقال أكثر المفسرين : إن المراد به النصارى الذين أسلموا ، وفي سياق الآية دليل عليه ، وهو قوله : { فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ } [ المائدة : 85 ] وروى أسباط عن السدي قال : بعث النجاشي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثني عشر رجلاً من الحبشة ، وسبعة قسيسين ، وخمسة رهبان ، ينظرون إليه ويسألونه ، فلما لقوه ، وقرأ عليهم ما أنزل الله عليه ، بكوا وآمنوا به ورجعوا إلى النجاشي فهاجر النجاشي معهم . فمات في الطريق . فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون ، واستغفروا له . وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه سئل عن هذه الآية فقال : هم الوفد الذين قدموا مع جعفر الطيار من أرض الحبشة . وعن الزهري ، أنه سئل عن هذه الآية فقال : ما زلنا نسمع أنها نزلت في النجاشي وأصحابه ثم قال : { ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً } يعني المتعبدين وأصحاب الصوامع ، [ ويقال : قسيسين علماؤهم ، ورهباناً يعني خائفين من الله تعالى ] ، وقال بعض أهل اللغة : القس ، والقسيس : رؤساء النصارى ، والقَس ، بفتح القاف النميمة ثم قال : { وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } يعني لا يتعظمون على الإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - والقرآن . { وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ } يعني تسيل من الدمع ، { مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ } يقول : مما عرفوا محمداً - صلى الله عليه وسلم - نعته وصفته { يَقُولُونَ رَبَّنَا ءَامَنَّا } بالقرآن بأنه من الله { فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } يعني المهاجرين والأنصار . وروى عكرمة عن ابن عباس قال : { مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ } هم أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - يشهدون له بالبلاغ ، ويشهدون للرسل أنهم قد بلغوا الرسالة . ثم قال : { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } وذلك أنهم لما رجعوا إلى قومهم قال لهم كفار قومهم : تركتم ملة عيسى ، ويقال : إن كفار مكة عاتبوهم على إيمانهم ، وقالوا : لم تركتم دينكم القديم وأخذتم الدين الحديث ؟ فقالوا : { وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } ومعناه : وما لنا لا نصدق بالله ، أن محمداً رسوله ، والقرآن من عنده { وَمَا جَاءنَا مِنَ ٱلْحَقِّ } يعني وبما جاءنا من الحق ، { وَنَطْمَعُ } يقول : نرجو { أَن يُدْخِلَنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّـٰلِحِينَ } يعني مع المؤمنين الموحدين في الجنة . فمدحهم الله تعالى ، وحكى عن مقالتهم ، وأخبر عن ثوابهم في الآخرة . فقال : { فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ } من التوحيد { جَنَّـٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا ، وَذٰلِكَ جَزَاءُ ٱلْمُحْسِنِينَ } يعني ثواب الموحدين المطيعين ، وقد احتج بعض الناس بهذه الآية أن الإيمان هو مجرد القول ، لأنه قال : فأثابهم الله بما قالوا ، ولكن لا حجة لهم فيها لأن قولهم كان مع التصديق ، والقول بغير التصديق لا يكون إيماناً . ثم بين عقوبة من ثبت على كفره ولم يؤمن فقال : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَـٰتِنَا } يعني مات على ذلك { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلْجَحِيمِ } والجحيم هو النار الشديدة الوقود ، يقال جحم فلان النار إذا شدد وقودها . ويقال : لعيْن الأسد جحمة ، لشدة توقدها .