Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 87-89)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } نزلت في جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم سمعوا من النبي - عليه السلام - وصف القيامة يوماً ، وخوف النار والحساب فاجتمعوا في بيت عثمان بن مظعون ، فتواثقوا بأن يخصوا أنفسهم ويترهبوا ، فنهاهم الله عن ذلك ، فنزلت هذه الآية { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } . قال : حدثنا الفقيه أبو جعفر ، قال : حدثنا أبو القاسم أحمد بن محمد قال : حدثنا محمد بن فضيل ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن مدرك بن قزعة عن سعيد بن المسيب قال : " جاء عثمان بن مظعون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : يا رسول الله ، غلبني حديث النفس ، ولا أحب أن أحدث شيئاً حتى أذكر لك قال - صلى الله عليه وسلم - : وما تحدثك نفسك يا عثمان ؟ قال : تحدثني أن أخصي نفسي ، قال : قال مهلاً يا عثمان ، فإن إخصاء أمتي الصيام ، قال : يا رسول الله ، إن نفسي تحدثني أن أترهب في رؤوس الجبال ، فقال : مهلاً يا عثمان ، فإن ترهيب أمتي الجلوس في المساجد لانتظار الصلوات ، قال : يا رسول الله فإن نفسي تحدثني أن أسيح في الأرض ؟ . قال : مهلاً يا عثمان : فإن سياحة أمتي الغزو في سبيل الله ، والحج والعمرة ، قال : فإن نفسي تحدثني أن أخرج من مالي كله ؟ قال مهلاً يا عثمان ، فإن صدقتك يوماً بيوم ، وتكف نفسك وعيالك ، وترحم المساكين واليتيم أفضل من ذلك ، فقال : يا رسول الله فإن نفسي تحدثني أن أطلق خَوْلة . فقال مهلاً يا عثمان ، فإن الهجرة في أمتي مَنْ هجر ما حرم الله ، أو هاجر إليّ في حياتي ، أو زار قبري بعد وفاتي ، أو مات وله امرأة ، أو امرأتان أو ثلاث أو أربع ، قال ، يا رسول الله : فإن نهيتني أن أطلقها ، فإن نفسي تحدثني بأن لا أغشاها قال ، مهلاً يا عثمان ، فإن الرجل المسلم إذا غشي أهله أو ما ملكت يمينه فلم يكن من وقعته تلك ولد ، كان له وصيفاً في الجنة ، وإن كان من وقعته تلك ولد فمات قبله كان فرطاً وشفيعاً يوم القيامة ، فإن مات بعده كان له نوراً يوم القيامة ، فقال : يا رسول الله ، فإن نفسي تحدثني بأن لا آكل اللحم ، قال : مهلا يا عثمان ، فإني أحب اللحم وآكله إذا وجدته ، ولو سألت ربي أن يطعمنيه في كل يوم لأطعمنيه ، قال : يا رسول الله فإن نفسي تحدثني بأن لا أمس الطيب ، قال : مهلا يا عثمان فإن جبريل أمرني بالطيب غباغباً ، وقال : لا تتركه يا عثمان ، لا ترغب عن سنتي فمن رغب عن سنتي ، ثم مات قبل أن يتوب صرفت الملائكة وجهه عن حوضي يوم القيامة " ، ونزلت هذه الآية { لاَ تُحَرِّمُواْ طَيّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ } ، { وَلاَ تَعْتَدُواْ } يقول : يعني لا تحرموا حلاله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } ويقال : إن مُحَرِّم ما أحل الله ، كمُحِلِّ ما حرم الله . ثم قال : { وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيّباً } من الطعام والشراب { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } ولا تحرموا ما أحلّ الله لكم { ٱلَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } يعني إن كنتم مصدقين به ، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه . ثم أمرهم الله تعالى بأن يكفروا أَيْمَانهم ، لأنه لما حرموا الحلال على أنفسهم كان ذلك يميناً منهم ، ولهذا قال أصحابنا : إذا قال الرجل لشيء حلال ، هذا الشيء علي حرام يكون ذلك يميناً ، فأمرهم الله تعالى بأن يأكلوا ويحنثوا في أيمانهم وفي الآية دليل : أن الرجل إذا حلف على شيء ، والحنث خير له ، ينبغي أن يحنث ويكفر بيمينه . وفيها دليل : أن الكفارة بعد الحنث ، لأنه أمرهم بالحنث بقوله : ( فكلوا ) ثم أمرهم بالكفارة . وهو قوله تعالى : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِي أَيْمَـٰنِكُمْ } قال ابن عباس : اللغو أن يحلف الرجل على شيء بالله ، وهو يرى أنه صادق ، وهو فيه كاذب ، وهكذا روي عن أبي هريرة أنه كان يقول : لغو اليمين : أن يحلف الرجل على شيء يظن أنه الذي حلف عليه - هو صادق - فإذا هو غير ذلك . وقال الحسن : هو الرجل يحلف على الشيء ، يرى أنه كذلك وليس هو كذلك . وقال سعيد بن جبير : الرجل يحلف باليمين الذي لا ينبغي أن يحلف بها ، يحرم شيئاً هو حلال ، فلا يؤاخذه الله بتركه لكن يؤاخذه الله إن فعل . وقال زيد بن أسلم : هو قول الرجل ، أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا ، وأخرجني الله من مالي وولدي ، وقالت عائشة : اللغو : هو قول الرجل ، لا والله ، وبلى والله ، على شيء لم يعقده قلبه . ثم قال : { وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَـٰنَ } . قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم في رواية حفص ( عقَّدتم ) بالتشديد ، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر : ( عَقَدتم ) بالتخفيف وقرأ ابن عامر : ( بما عقدتم ) فمن قرأ : ( عاقدتم ) فهو من المعاقدة والمعاقدة تجري بين الاثنين ، وهو أن يحلف الرجل لصاحبه بشيء ، ومن قرأ بالتشديد ، فهو للتأكيد ، ومن قرأ بالتخفيف ، لأن اليمين تكون مرة واحدة ، والتشديد تجري في التكرار والإعادة . وروى عبد الرزاق ، عن بكار بن عبد الله قال : سئل وهب بن منبه عن قوله : { عَلِيمٌ لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱلَّلغْوِ فِي أَيْمَـٰنِكُمْ } قال : الأَيْمَانُ ثلاثة لغو ، وعقد ، وصبر فأما اللغو : فلا والله ، وبلى والله ، لا يعقد عليه القلب ، وأما العقد : أن يحلف الرجل ، لا يفعله فيفعله فعليه الكفارة ، وأما الصبر : بأن يحلف على مال ليقتطعه بيمينه ، فلا كفارة له . وروى حسين بن عبد الرحمن ، عن أبي مالك الغفاري قال : الأيمان ثلاثة ، يمين تكفر ، ويمين لا تكفر ، ويمين لا يؤاخذ الله بها ، وذكر إلى آخره . ثم بين كفارة اليمين فقال تعالى : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَـٰكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ } . روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال : الغداء والعشاء ، وسئل شريح عن الكفارة فقال : الخبز والزيت ، والخل والطيب ، فقال السائل : أرأيت إن أطعمت الخبز واللحم ؟ قال ذلك أرفع طعام أهلك ، وطعام الناس . وروي عن ابن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنهما - أنهما قالا ، لكل مسكين ، نصف صاع من حنطة ، يعني ، إذا أراد أن يدفع إليهم ، وإن أراد أن يطعمهم فالغذاء والعشاء . ثم قال : { أَوْ كِسْوَتُهُمْ } قال مجاهد : أدناه ثوب ، وأعلاه ما شئت . وقال إبراهيم النخعي : لكل مسكين ثوب . وقال الحسن : ثوبان أبيضان ثم قال : { أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } يعني يعتق رقبة ، ولم يشترط ها هنا المؤمنة فيجوز الكفارة بالكافرة والمؤمنة ، فالرجل بالخيار بين هذه الأشياء الثلاثة ، { فَمَن لَّمْ يَجِدْ } الطعام ولا الكسوة ولا الرقبة فعليه { فَصِيَامُ } يعني صيام { ثَلَـٰثَةَ أَيَّامٍ } وروى سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال : سئل طاووس عن صيام الكفارة قال : يفرق : قال له مجاهد كان عبد الله يقرأ : متتابعات . قال : طاوس فهو أيضاً متتابعات . وروى مالك عن حميد ، عن مجاهد ، قال : كان أبي يقرأ ، فصيام ثلاثة أيام متتابعات في الكفارة اليمين . ثم قال : { ذٰلِكَ } يعني الذي ذكر { كَفَّارَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ } عن الطعام والكسوة والعتق والصوم ثم قال { إِذَا حَلَفْتُمْ ، وَٱحْفَظُواْ أَيْمَـٰنَكُمْ } يعني ليعلم الرجل ما حلف عليه ، فليكفر يمينه ، إذا حنث { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَـٰتِهِ } يعني أمره ونهيه { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي لكي تشكروا رب هذه النعمة ، إذ جعل لكم مخرجاً من أيمانكم بالكفارة ، والكفارة في اللغة : هو التغطية ، يعني يغطي إثمه .