Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 94-95)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ } يعني : ليختبرنكم الله ، والاختبار من الله هو إظهار ما علم منهم ، بشيء من الصيد يعني ببعض الصيد ، فتبعيضه يحتمل أن يكون معناه ، ما داموا في الإحرام ، فيكون ذلك بعض الصيد ، ويحتمل أن يكون على معنى التخصيص يحمل ذلك على وجه تبيين جنس من الأجناس كما قال : { فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَـٰنِ } [ الحج : 30 ] ويحتمل بعض الصيد ، يعني صيد البر دون صيد البحر . { تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ } يعني تأخذونه بأيديكم بغير سلاح مثل البيض والفراخ { وَرِمَـٰحُكُمْ } يعني تأخذونه بسلاحكم ، وهو الكبار من الصيد { لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ } يعني يميز الله من يخاف من الذين لا يخافون ، وبين فضل الخائفين : { فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ } يعني من أخذ الصيد بعد النهي { فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يعني وجيع يعني الكفارة والتعذيب في الدنيا والآخرة ، والعذاب إن مات بغير توبة ، ثم قال : { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } يعني وأنتم محرمون ، ويقال : وأنتم محرمون أو في الحرم . ثم بين الكفارة فقال : { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ } يعني عليه الفداء مثل ما قتل . قرأ أهل الكوفة عاصم وحمزة والكسائي فجزاء مثل بتنوين الهمزة وبضم اللام وقرأ الباقون : بالضم بغير تنوين ، وبكسر اللام ، فأما من قرأ : بالتنوين فمعناه فعليه جزاء ، ثم صار المثل نعتا للجزاء ، وأما من قرأ بغير تنوين فعلى معنى الإضافة إلى الجزاء ، يعني عليه جزاء ما قتل من النعم ، يشتري بقيمته من النعم ويذبحه ، يعني إذا كان المقتول يوجد بقيمة النعم . ثم قال : { يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ } يعني رجلان مسلمان عدلان ينظران إلى قيمة المقتول ، ثم يشتري بقيمته { هَدْياً بَـٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ } يعني يبلغ بالهدي مكة ويذبحه هناك ، ويتصدق بلحمه على الفقراء { أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَـٰكِينَ } يعني إن شاء يشتري بقيمته طعاماً ويتصدق به على كل مسكين نصف صاع من حنطة { أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً } يعني يصوم مكان كل نصف صاع من حنطة يوماً ، قال ابن عباس إنما يقوّم لكي يعرف مقدار الصيام من الطعام فهو بالخيار بين هذه الأشياء الثلاثة إن شاء أطعم وإن شاء أهدى ، وإن شاء صام . قرأ نافع وابن عامر : ( أو كفارة طعام مساكين ) بغير تنوين على معنى الإضافة ، وقرأ الباقون ( كفارة ) بالتنوين ، والطعام نعتاً لها ، ثم قال : { لّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ } يعني عقوبة ذنبه لكي يمتنع عن قتل الصيد ، { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } يعني عما مضى قبل التحريم ، { وَمَنْ عَادَ } بعد التحريم { فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } يعني يعاقبه الله تعالى ، ومع ذلك يجب عليه الكفارة ، وقال بعضهم : لا يجب عليه الكفارة إذا قتل مرة أخرى ، وروى عكرمة عن ابن عباس : أنه سئل عن المحرم يصيب الصيد فيحكم عليه ، ثم يصيبه أيضاً ، قال : لا يحكم عليه ، وتلا هذه الآية { وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ } فذلك إلى الله ، إن شاء عفا ، وإن شاء عاقبه . وعن شريح : أن رجلاً أتاه فسأله أن يحكم عليه ، فقال له شريح : هل أصبت صيداً قبله ؟ قال : لا ، قال : لو كنت أصبته قبل ذلك لم أحكم عليك . وقال بعضهم : سواء قتل قبل ذلك أو لم يقتل فهو سواء ، لأنه قاتل في المرة الثانية كما هو قاتل في المرة الأولى . وروي عن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الرحمن بن عوف ، وغيرهم أنهم حكموا ولم يسألوه ، أنك أصبت قبل ذلك أم لا ، وروى ابن جريج عن عطاء أنه سئل عن قوله : { عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف } قال : يعني ما كان في الجاهلية ، ومن عاد في الإسلام فينتقم الله منه ومع ذلك عليه الكفارة . وروى سعيد بن جبير مثله . وقد قال بعض الناس : إنه إذا قتل خطأ فلا تجب عليه الكفارة وهذا القول ذكر عن طاووس اليماني ، وقال غيره : تجب عليه الكفارة [ وروى ] ابن جريج عن عطاء ، قال سألت عن قوله : { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّداً } فلو قتله خطأ ، أيغرم قال : نعم ، يعظم بذلك حرمات الله ، ومضت به السنن . وعن الحسن قال : يحكم عليه في الخطأ والعمد . وعن إبراهيم النخعي ، وعن مجاهد مثله . وبهذا القول نأخذ ، ونقول : بأن العمد والخطأ سواء ، والمرة الأولى والثانية سواء . ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ } من أهل المعصية أخذ الصيد بعد التحريم . ويقال : ومن عاد مستحلاً أو مستخفاً بأمر الله تعالى فينتقم الله منه يعني يعذبه الله تعالى ، والله عزيز ذو انتقام يعذب من عصاه .