Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 90-93)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } نزلت هذه الآية في شأن سعد بن أبي وقاص لأنهم كانوا يشربونها وكانت لهم حلالاً ، فجرى بين سعد وبين رجل من الأنصار افتخار في الأنساب ، فاقتتلا فشج رأس سعد ، فدعا عمر بن الخطاب فقال : اللهم أرنا رأيك في الخمر ، فإنها متلفة للمال ، مذهبة للعقل ، فنزلت هذه الآية التي في سورة البقرة { يَسْألُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [ البقرة : 219 ] فقال عمر : اللَّهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزلت هذه الآية . { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ } يعني حرام ، وهو من تزيين الشيطان ، { فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } يعني فاتركوا شربها ، ولم يقل : فاجتنبوها لأنه انصرف إلى المعنى ومعناه : اجتنبوا ما ذكرنا ونهيناكم عن ذلك قوله { كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ } [ الأنعام : 141 ] ولم يقل : من ثمرها . ثم قال : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَاءَ فِي ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ } يعني عن طاعة الله { وَعَنِ ٱلصَّلَـٰوةِ } لأنهم مُنِعوا عن الصلاة إذا كانوا سكارى ، ولأنه إذا سكر لا يعقل الطاعة وأداء الصلاة ، ثم قال : { فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ } يعني انتهوا عن شربها ، فقال عمر : قد انتهينا يا رب . وعن عطاء بن يسار أن رجلاً قال لكعب الأحبار : أَحُرِّمت الخمرة في التوراة ؟ قال : نعم ، هذه الآية { إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ } مكتوب في التوراة إنا أنزلنا الحق لنذهب به الباطل ، وتبطل به اللعب والدفف والمزامير ، والخمر مرة لشاربها ، أقسم الله تعالى بعزه وجلاله أن من انتهكها في الدنيا ، أعطشته في الآخرة يوم القيامة ، ومن تركها بعدما حرمتها لأسقيتها إياه في حظيرة القدس ، قيل : وما حظيرة القدس ؟ قال : الله هو القدس ، وحظيرته الجنة . ثم قال تعالى : { وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } يعني في تحريم الخمر { وَٱحْذَرُواْ } عن شربها { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ } يقول : أعرضتم عن طاعة الله وطاعة الرسول { فَٱعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ } فهذا تهديد لمن شرب الخمر بعد التحريم . فلما نزلت هذه الآية قال حُييُّ بن أخطب ، فما حال من مات منهم ، وهم يشربونها ، فعير بذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عن ذلك ، فنزلت هذه الآية : { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ } يعني شربوا قبل تحريمها ، ولم يعرفوا تحريمها ، ويقال : إن بعض الصحابة كانوا في سَفْرَة ، فشربوا منها بعد التحريم ولم يعرفوا تحريمها فلما رجعوا سألوا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزل : { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ } يعني شربوا قبل تحريمها { إِذَا مَا ٱتَّقَواْ } الشرك { وَءَامَنُواْ } يعني صدقوا بوحدانية الله تعالى والقرآن { وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَـٰتِ ، ثُمَّ اتَّقَواْ } المعاصي { وَءامَنُواْ } يعني صدقوا بعد تحريمها { ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } في أفعالهم ويقال : معناه ، ليس عليهم جناح فيما طعموا قبل تحريمها ، إذا اجتنبوا شربها بعد تحريمها . وروى عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال : شرب نفر من أهل الشام الخمر ، وعليهم يومئذ معاوية بن أبي سفيان ، وقالوا هي لنا حلال ، وتأولوا قوله { لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ } فكتب في ذلك إلى عمر ، فكتب إليه عمر : أن ابعثهم إلي قبل أن يفسدوا مَنْ قِبَلك ، فلما قدموا على عمر ، جمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لهم ما ترون ؟ فقالوا : إنهم قد افتروا على الله كذباً وشرعوا في دينه ما لم يأذن به ، فاضرب أعناقهم ، وعلي ساكت ، فقال : يا علي ما ترى ؟ قال : أرى أن تستتبيهم فإن تابوا فاضربهم ثمانين جلدة ، وإن لم يتوبوا فاضرب أعناقهم فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين جلدة وأرسلهم .