Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 23-30)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل { وَقَالَ قَرِينُهُ } يعني ملكه الذي كان يكتب عمله { هَـٰذَا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ } يعني هذا الذي وكلتني به قد أتيتك به ، وهو حاضر ، يقول الله عز وجل : { أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ } يعني يقول للملكين : ألقيا في جهنم { كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } وقال بعضهم هذا أمر للملك الواحد بلفظ الاثنين ، وقال الفراء : يرى أصل هذا أن الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة نفر ، فجرى كلام الواحد على صاحبيه ، ألا ترى أن الشعراء أكثر شيء قيلاً : يا صاحبي ، ويا خليلي ، قال الشاعر : فقلت لصاحبي لا تحبساني ، وأدنى ما يكون الأمر والنهي في الإعراب اثنان ، فجرى كلامهم على ذلك ، ومثل هذا قول امرىء القيس : @ قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل @@ ويقال " أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ " على معنى تكرير الأمر يعني ألق ألق ، وهو على معنى التأكيد ، وكذلك في قوله : قفا معناه : قف قف ، وقال الزجاج عندي أن قوله أَلْقِيَا أَمر للملكين ، وقال بعضهم الأمر للواحد بلفظ الإثنين واقع في إطلاق العرب ، وكان الحجاج : يقول يا حرسي اضربا عنقه { كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } يعني كل جاحد بتوحيد الله تعالى ، معرض عن الإيمان ، وقال مقاتل يعني الوليد بن المغيرة ، ويقال : هذا في جميع الكفار الذين ذكر صفتهم في هذه الآية ، وهي قوله : { مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ } يعني بخيلاً لا يخرج حق الله من ماله ، ويقال « مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ » يعني يمتنع عن الإسلام { مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ } المعتدي : هو الظلوم الغشوم ، والمريب : الشاك في توحيد الله تعالى قوله تعالى { ٱلَّذِى جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً ءاخَرَ } يعني أشرك بالله عز وجل { فَأَلْقِيَـٰهُ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ } يعني في النار { قَالَ قرِينُهُ } يعني شيطانه { رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ } يعني لم يكن لي قوة أن أضله { وَلَـٰكِن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍ بَعِيدٍ } يعني في خطأ طويل بعيد عن الحق ، يقول الله تعالى لابن آدم وشيطانه { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } أي لا تختصموا عندي { وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ } يعني أخذت عليكم الحجة ، وأخبرتكم بالكتاب والرسول { مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَىَّ } يعني لا يغير قضائي وحكمي الذي حكمت ، ويقال : لا يكذب وعيدي { وَمَا أَنَاْ بِظَلَّـٰمٍ لّلْعَبِيدِ } يعني لا أعذب أحداً بغير ذنب ، ويقال : " مَا يُبَدِّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ " يعني لا يغير عن جهته ، ولا يحذف منه ، ولا يزاد فيه لأني أعلم كيف ضلوا ، وكيف أضللتموهم ، وروى سالم عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة ، قالوا : وإياك يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال وإياي ، ولكن الله عز وجل أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير " ، وعن الربيع عن أنس قال : سألت أبا العالية عن قوله عز وجل : { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } [ الزمر : 31 ] وها هنا يقول { لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ } فقال : لا تختصموا لدي ، في أهل النار ، والأخرى في المؤمنين في المظالم فيما بينهم ، وقال مجاهد مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ يعني لقد قضيت ما أنا قاض قوله عز وجل : { يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ } قرأ نافع وعاصم في رواية أبي بكر يِقُولُ بِاليَاء ، يعني يقول الله تعالى ، قرأ الباقون بالنون ، ومعناه كذلك يوم صار نصباً على معنى مَا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ في ذلك اليوم ، ويقال على معنى أنذرهم يوم ، كقوله : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ } [ مريم : 39 ] ثم قال { هَلِ ٱمْتَلاَتِ } يعني هل أوفيتك ما وعدتك ، وهو قوله لأَملأن جَهَنَّمَ { فَتَقُولُ } النار { هَلْ مِن مَّزِيدٍ } يعني هل من زيادة ، وقال عطية : هل من موضع ، ويقال معناه : هل امتلأت ، أي قد امتلأت ، فليس من مزيد ، ويقال أنا طلبت الزيادة تغيظاً لمن فيها ، وروى وكيع بإسناده عن أبي هريرة قال : " لا تَزَالُ جَهَنَّمَ تَسَأَل الزِّيَادَة ، حتى يضع الله فيها قدمه ، فَتَقُولُ جَهَنَّمَ يَا رَبَّ قط قط " أي حسبي حسبي ، وقال في رواية الكلبي نحو هذا ، ويقال تضيق بأهلها حتى لا يكون فيها مدخل لرجل واحد ، قال أبو الليث : قد تكلم الناس في مثل هذا الخبر ، قال بعضهم نؤمن به ولا نفسره ، وقال بعضهم نفسره على ما جاء بظاهر لفظه ، وتأوله بعضهم ، وقال معنى الخبر ، بكسر القاف يضع قدمه ، وهم أقوام سالفة فتمتلىء بذلك .