Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 126-129)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَهَـٰذَا صِرٰطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً } يعني هذا التوحيد دين ربك مستقيماً يعني قائماً برضاه { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَـٰتِ } يعني قد بينا العلامات وبينا الآيات في أمر القلوب والهدى والضلالة { لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } يعني يتعظون ويتفكرون في توحيد الله تعالى . ويقال : معناه لا عذر لأحد في التخلف عن الإيمان لأن الله تعالى قد بين طريق الهدى ، وقد بين العلامات في ذلك لمن كان له عقل وتمييز . ثم ذكر ما أعد الله للمؤمنين في الآخرة فقال : { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَـٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ } وهي الجنة وهي دار السلام من الأمراض والآفات . والخوف والهرم وغير ذلك . ويقال : ( لهم دار السلام ) : فالله السلام والجنة داره يعني دار رب العزة التي أعد لأوليائه بالثواب { وَهُوَ وَلِيُّهُم } أي الله تعالى حافظهم وناصرهم في الدنيا . ويقال : هو وليهم في الآخرة بالثواب ، { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } في الدنيا . قوله تعالى : { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ } يقول : واذكر يوم يجمعهم الله { جَمِيعاً } يعني الجن والإنس . قرأ عاصم في رواية حفص ( يحشرهم ) بالياء يعني أن الله يحشرهم . وقرأ الباقون : ( نحشرهم ) بالنون { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ } يقول لهم : يا معشر الجن { قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُم مِّنَ ٱلإِنْسِ } يعني قد أضللتم كثيراً من الإنس . { وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ } الذين أضلوهم { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } يعني انتفع بعضنا ببعض وكان استمتاع الإنس بالجن في الدنيا أن أهل الجاهلية كانوا إذا سافر واحد منهم فأدركه المساء بأرض قفر وخاف بالليل فقال : أعوذ بسيد أهل هذا الوادي من سفهاء قومه ، فأمن ولبث في جوارهم حتى يصبح ، وكان استمتاع الجن بالإنس أن قالوا : لقد سوّدنا الإنس والجن فيزيدون شرفاً في قومهم يعني فيما بين الجن والإنس { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا ٱلَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا } يعني الموت الذي جعلته أجلنا في هذه الدنيا . وهذا قول الكلبي . وقال الضحاك : { رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ } يعني خدع بعضنا بعضاً عن دينك يعني أن الجن قد خدعنا وأَضَلّنا { وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا ٱلَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا } يعني ما كتبت علينا من الشقاوة . { قَالَ : ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ } يعني منزلكم وهم الجن والإنس { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } مقيمين في النار { إِلاَّ مَا شَاءَ ٱللَّهُ } قال الكلبي : مشيئة الله من كل شيء . ويقال : إلا ما شاء الله البرزخ والقيامة . قد شاء الله لهم الخلود فيها . ويقال : { إِلاَّ مَا شَاء ٱللَّهُ } يخرج منها من أهل التوحيد . { إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ } . ثم قال : { وَكَذٰلِكَ نُوَلّي } يعني نسلط { بَعْضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضاً } يعني كفار الجن على كفار الإنس . ويقال : نسلط بعض الظالمين بعضاً فيهلكه ويذله . وهذا كلام لتهديد الظالم لكي يمتنع عن ظلمه ، لأنه لو لم يمتنع يسلط الله عليه ظالماً آخر ويدخل في الآية جميع من يظلم ، ومن ظلم في رعيته أو التاجر يظلم الناس في تجارته ، أو السارق وغيرهم . وقال فضيل بن عياض : إذا رأيت ظالماً ينتقم من ظالم ، فقف وانظر فيه متعجباً . وقال ابن عباس : إذا رضي الله عن قوم ولى أمرهم خيارهم ، وإذا سخط الله على قوم ، ولى أمرهم شرارهم بما كانوا يكسبون ثم تلا قوله { وَكَذٰلِكَ نُوَلّي بَعْضَ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضاً } وعن مالك بن دينار قال : قرأت في بعض الكتب المنزلة أن الله تعالى يقول : إني أنا الله مالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، ونواصيها بيدي ، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة ، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ولكن توبوا إلي أجعلهم عليكم رحمة . ثم قال : { بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } يعني يسلط بعضهم على بعض بأعمالهم الخبيثة .