Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 33-35)

Tafsir: Baḥr al-ʿulūm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُون } روى سفيان عن أبي إسحق عن ناجية بن كعب قال : قال أبو جهل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما نتهمك ولكن نتهم الذي جئت به ، فنزلت هذه الآية . وروى أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح قال : " جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو حزين ، فقال : ما يحزنك ؟ قال : كذّبني هؤلاء . فقال : إنهم لا يكذبونك ، يعلمون أنك صادق " فنزلت هذه الآية : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } من تكذيبهم إياك في العلانية { فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ } في السر ويعلمون أنك صادق وكانوا يسمونه أميناً قبل أن يوحي إليه فلما أوحي إليه كذبوه ، فقال { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـآيَـٰتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } وهم يعلمون أنك صادق . والجحد يكون ممن علم الشيء ثم جحده كقوله تعالى : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ } [ النمل : 14 ] قرأ نافع والكسائي : ( فإنهم لا يكذبونك ) بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد فمن قرأ بالتخفيف فمعناه أنهم لا يجحدونك كاذباً ، ومن قرأ بالتشديد فمعناه : أنهم لا ينسبونك إلى الكذب ولا يكذبونك في السر ، وقرأ نافع : ( يحزنك ) برفع الياء وكسر الزاي وقرأ الباقون ( ليحزنك ) بنصب الياء وضم الزاي ومعناهما واحد . ثم عزاه ليصبر على أذاهم فقال : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ } يعني أن قومهم كذبوهم كما كذبك قريش { فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ } يعني صبروا على تكذيبهم وأذاهم { حَتَّىٰ أَتَـٰهُمْ نَصْرُنَا } يعني عذابنا لهلاكهم { وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِ } يعني لا مغير لوعد الله فهذا وعد من الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالنصرة ، كما نصر النبيين من قبله . ثم قال : { وَلَقدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ } يعني من خبر المرسلين كيف أنجيت المرسلين وكيف أهلكت قومهم . فلما وعد الله تعالى بالنصرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - تعجل أصحابه لذلك ، وأرادوا أن يعجل بهلاك الكفار ، فنزل : { وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ } خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأراد به قومه ، فقال : إن عظم عليك إعراضهم عن الإيمان ، ولا تصبر على تكذيبهم إياك { فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ } يعني إن قدرت أن تطلب سِرْباً في الأرض والنافقاء ، إحدى جحري اليربوع { أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَاءِ } يعني مصعداً إلى السماء { فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ } فافعل ذلك على وجه الإضمار وهذا كما قال في آية أخرى : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ } [ الحج : 15 ] الآية . وروى محمد بن المنكدر : " أن جبريل قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إن الله أمر السماء أن تطيعك ، وأمر الأرض أن تطيعك ، وأمر الجبال أن تطيعك ، فإن أحببت أن ينزل عذاباً عليهم . قال : " يا جبريل أؤخر عن أمتي ، لعل الله أن يتوب عليهم " ثم قال : { وَلَوْ شَاءَ ٱللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } يعني لهداهم إلى الإيمان . ويقال : ولو شاء لاضطرهم إلى الهدى ، كما قال في آية أخرى : { إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةً فَظَلَّتْ أَعْنَـٰقُهُمْ لَهَا خَـٰضِعِينَ } [ الشعراء : 4 ] ( ومعناه ولو شاء الله لجمعهم على الهدى قهراً وجبراً ، ولكن ما فعل ، وكلفهم وتركهم فاختيارهم ) . ثم قال : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } يعني بأنه لو شاء لهداهم . وقال الضحاك : يعني القدر خيره وشره من الله تعالى ، فلا تجعل معرفة ذلك بعد البيان .