Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 7, Ayat: 117-127)
Tafsir: Baḥr al-ʿulūm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الله تعالى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } يعني اطرح عصاك إلى الأرض . فألقى عصاه من يده فصارت حية أعظم من جميع حياتهم { فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } يعني تلتقم وتأكل جميع ما جاءوا به من الكذب والسحر . قرأ عاصم في رواية حفص " تَلْقَفْ " بجزم اللام والتخفيف وقرأ الباقون بنصب اللام وتشديد القاف ، ومعناهما واحد . ثم إن الحية قصدت إلى فرعون فنادى موسى . فأخذها فإذا هي عصا على حالها ، فنظرت السحرة فإذا حبالهم وعصيهم قد ذهبت { فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ } أي : استبان الحق وظهر أنه ليس بسحر { وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من السحر ، أي : ذهب وهلك واضمحل { فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ } أي : وغَلَب موسى السحرة عند ذلك { وَٱنقَلَبُواْ صَـٰغِرِينَ } يعني : رجعوا ذليلين . قالوا لو كان هذا سحراً فأين صارت حبالنا وعصينا ؟ ولو كانت سحراً لبقيت حبالنا وعصينا ، وهذا من الله تعالى وليس بسحر فآمنوا بموسى ، قوله تعالى : { وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِينَ } يعني خروا ساجدين لله تعالى قال الأخفش من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا ويقال وفّقهم الله تعالى للسجود { قَالُواْ ءامَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } فقال لهم فرعون إياي تعنون ؟ فأراد أن يلبس على قومه فقالوا : { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ } فقدم فرعون لما سألهم لأن بعض الناس كانوا يظنون عند مقالتهم رب العالمين أنهم أرادوا به فرعون ، فلما سألهم فرعون وقالوا برب موسى وهارون ظهر عند جميع الناس أنهم لم يريدوا به فرعون ، وإنما أرادوا به الإيمان بموسى وبرب العالمين { قَالَ فِرْعَوْنُ ءامَنتُمْ بِهِ } يعني : صدقتم بموسى { قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ } يعني قبل أن آمركم بالإيمان بموسى . قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر آمنتم وقرأ الباقون بغير مد بهمزتين ومعناهما واحد ويكون استفهاماً . إلا عاصم في رواية حفص قرأ آمنتم بهمزة واحدة بغير مد على وجه الخبر { إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ } يعني صنعاً صنعتموه فيما بينكم وبين موسى في المدينة { لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا } يعني إنكم أردتم أن تخرجوا الناس من مصر بسحركم ، ثم قال لهم { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } يعني تعلمون ماذا أفعل بكم { لأُقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ } يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى { ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } على شاطىء نهر مصر { قَالُواْ إِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا مُنقَلِبُونَ } أي لا نبالي من عقوبتك وفعلك فإن مرجعنا إلى الله تعالى يوم القيامة . قال تعالى : { وَمَا تَنقِمُ مِنَّا } يعني وما تعيب علينا وما تنكر منا إلا إيماننا بالله تعالى . ويقال وما نقمتك علينا ولم يكن منا ذنب { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا } يعني لما ظهر عندنا أنه حق . ثم سألوا الله تعالى الصبر على ما يصيبهم لكي لا يرجعوا عن دينهم فقالوا { رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } يعني أنزل علينا صبراً عند القطع والصلب ومعناه ارزقنا الصبر وثبت قلوبنا حتى لا نرجع كفاراً { وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ } على دين موسى . وروي عن عبيد الله بن عمير أنه قال كانت السحرة أول النهار كفاراً فجرة وآخر النهار شهداء بررة . وقال بعض الحكماء إن سحرة فرعون كانوا كفروا خمسين سنة فغفر لهم بإقرار واحد وبسجدة فكيف بالذي أقر وسجد خمسين سنة كيف لا يرجو رحمته ومغفرته . قوله تعالى { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } يعني إن السحرة قد آمنوا به فلو تركتهما يؤمن بهما جميع أهل مصر فيفسدوا في الأرض يعني موسى وقومه ويغيروا عليك دينك في أرض مصر { وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ } وذلك أن فرعون كان قد جعل لقومه أصناماً يعبدونها ، وكان يقول لهم هؤلاء أربابكم الصغار وأنا ربكم الأعلى . فذلك قوله تعالى : { وَيَذَرَكَ وَءالِهَتَكَ } يعني يدعك ويدع أصنامك التي أمرت بعبادتها . وروي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس أنه كان يقرأ " ويذرك وإلا هتك " يعني عبادتك وتعبدك . قال ابن عباس كان فرعون يُعْبد ولا يَعْبُد ويقال معنى قوله { أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ } يعني يغلبوا عليكم ويقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم كما فعلتم بهم كما قال في آية أخرى { إِنِّىۤ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُـمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِى ٱلأَرْضِ ٱلْفَسَادَ } [ غافر : 26 ] فقال لهم فرعون { سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءَهُمْ } لأنهم قد كانوا تركوا قتل الأبناء فأمرهم أن يرجعوا إلى ذلك الفعل . قرأ ابن كثير ونافع سَنَقْتُلُ أبناءهم بجزم القاف والتخفيف . وقرأ الباقون بالتشديد على معنى التكثير والمبالغة في القتل . ثم قال { وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَـٰهِرُونَ } أي مسلطون : فشكت بنو إسرائيل إلى موسى :