Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 43-49)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { وقال الملك إني أرى سبع بقراتٍ سمان … } الآية . وهذه الرؤيا رآها الملك الأكبر الوليد بن الريان وفيها لطف من وجهين : أحدهما : أنها كانت سبباً لخلاص يوسف من سجنه . الثاني : أنها كانت نذيراً بجدب أخذوا أهبته وأعدوا له عدته . { يا أيها الملأ افتوني في رؤياي } وذلك أن الملك لما لم يعلم تأويل رؤياه نادى بها في قومه ليسمع بها من يكون عنده عِلْمٌ بتأويلها فيعبرها له . قوله عز وجل : { قالوا أضغاث أحلام } فيه أربعة أوجه : أحدها : يعني أخلاط أحلام ، قاله معمر وقتادة . الثاني : ألوان أحلام ، قاله الحسن . الثالث : أهاويل أحلام قاله مجاهد . الرابع : أكاذيب أحلام ، قاله الضحاك . وفيه خامس : شبهة أحلام ، قاله ابن عباس . قال أبو عبيدة : الأضغاث ما لا تأويل له من الرؤيا ، ومنه قول الشاعر : @ كضغث حلم عُزَّ منه حالمُه . @@ وروى هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب " . وفي تقارب الزمان وجهان : أحدهما : أنه استواء الليل والنهار لأنه وقت اعتدال تنفتق فيه الأنوار وتطلع فيه الثمار فكان أصدق الزمان في تعبير الرؤيا . الثاني : أنه آخر الزمان وعند انتهاء أمده . والأضغاث جمع واحده ضغث والضغث الحزمة من الحشيش المجموع بعضه إلى بعض وقيل هو ملء الكف ، ومنه قوله تعالى : { خذ بيدك ضغثاً } وقال ابن مقبل . @ خَوْذٌ كَأَنَّ فِرَاشَهَا وُضِعَتْ بِهِ أَضْغَاثُ رَيْحَانٍ غَدَاةَ شَمَالِ @@ والأحلام جمع حُلم ، والحُلم الرؤيا في النوم ، وأصله الأناة ، ومنه الحلم ضد الطيش فقيل لما يرى في النوم حلم لأنها حال أناة وسكون . { وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين } فدل ذلك على أنه ليس التأويل الأول مما تؤؤل به الرؤيا هو الحق المحكوم به لأن يوسف عرفهم تأويلها بالحق ، وإنما قال يوسف للغلامين { قضي الأمر الذي فيه تستفتيان } لأنه منه نذير نبوة . ويجوز أن يكون الله تعالى صرف هؤلاء عن تفسير هذه الرؤيا لطفاً بيوسف ليتذكر الذي نجا منهما حاله فتدعوهم الحاجة إليه فتكون سبباً لخلاصه . قوله عز وجل : { وقال الذي نجا منهما وادّكر بَعْدَ أمة } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : يعني بعد حين ، قاله ابن عباس . الثاني : بعد نسيان ، قاله عكرمة . الثالث : بعد أمة من الناس ، قاله الحسن . قال الحسن : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة وجمع له شمله فعاش بعد ذلك ثلاثاً وعشرين سنة . وقرىء { وادّكر بعد أمَةٍ } بفتح الألف وتخفيف الميم ، والأمه : بالتخفيف النسيان . { أنا أنبئكم بتأويله فأرسلون } أي أخبركم بمن عنده علم بتأويله ثم لم يذكره لهم . قال ابن عباس : لم يكن السجن بالمدينة فانطلق إلى يوسف حين أذن له وذلك بعد أربع سنين بعد فراقه . قوله عز وجل : { يوسف أيها الصديق أفتنا } احتمل تسميته بالصديق وجهين : أحدهما : لصدقه في تأويل رؤياهما . الثاني : لعلمه بنبوته . والفرق بين الصادق والصديق أن الصادق في قوله بلسانه ، والصديق من تجاوز صدقه لسانه إلى صدق أفعاله في موافقة حاله لا يختلف سره وجهره ، فصار كل صدّيق صادقاً وليس كل صادق صدّيقاً . { أفتنا في سبع بقرات سمان } قال قتادة : هي السنون المخصبات . { يأكلهن سبع عجافٌ } قال قتادة : هي السنون المجدبات . { وسبع سنبلات خضر وأُخر يابسات } والخضر الخصب لأن الأرض بنباتها خضراء ، واليابسات هي الجدب لأنّ الأرض فيه يابسة ، كما أن ماشية الخصب سمان ، وماشية الجدب عجاف . { لعلي أرجع إلى الناس } أي لكي أرجع إلى الناس وهو الملك وقومه ، ويحتمل أن يريد الملك وحده فعبر عنه بالناس تعظيماً له . { ولعلهم يعلمون } لأنه طمع أن يعلموا وأشفق أن لا يعلموا ، فلذلك قال { لعلهم يعلمون } يعني تأويلها . ولم يكن ذلك منه شكاً في علم يوسف . لأنه قد وقر في نفسه علمه وصدقه ، ولكن تخوف أحد أمرين إما أن تكون الرؤيا كاذبةً ، وإما ألاّ يصدقوا تأويلها لكراهتهم له فيتأخر الأمر إلى وقت العيان . قوله عز وجل : { قال تزرعون سبع سنين دأباً } فيه وجهان : أحدهما : يعني تباعاً متوالية . الثاني : يعني العادة المألوفة في الزراعة . { فما حصدتم فذروه في سُنْبُلهِ إلا قليلاً مما تأكلون } يعني فيخرج من سنبله لأن ما في السنبل مدخر لا يؤكل ، وهذا القول منه أمر ، والأول خبر ، ويجوز لكونه نبياً أن يأمر بالمصالح ، ويجوز أن يكون القول الأول أيضاً أمراً وإن كان الأظهر منه أنه خبر . قوله عز وجل : { ثم يأتي من بعد ذلك سبعٌ شداد } يعني المجدبات لشدتها على أهلها . وحكى زيد بن أسلم عن أبيه أن يوسف كان يصنع طعام اثنين فيقربه إلى رجل فيأكل نصفه ويدع نصفه ، حتى إذا كان يوماً قربه له فأكله كله ، فقال يوسف : هذا أول يوم السبع الشداد . { يأكلن ما قدمتم لهن } يعني تأكلون فيهن ما ادخرتموه لهن . { إلا قليلاً مما تحصنون } فيه وجهان : أحدهما : مما تدخرون ، قاله قتادة . الثاني : مما تخزنون في الحصون . ويحتمل وجهاً ثالثاً : إلا قليلاً مما تبذرون لأن في استبقاء البذر تحصين الأقوات . قوله عز وجل : { ثم يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يغاث الناس } فيه وجهان : أحدهما : يغاثون بنزول الغيث ، قاله ابن عباس . الثاني : يغاثون بالخصب ، حكاه ابن عيسى . { وفيه يعصرون } فيه خمسة تأويلات : أحدها : يعصرون العنب والزيتون من خصب الثمار ، قاله مجاهد وقتادة . الثاني : أي فيه يجلبون المواشي من خصب المراعي ، قاله ابن عباس . الثالث : يعصرون السحاب بنزول الغيث وكثرة المطر ، من قوله تعالى { وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجَّاجاً } [ النبأ : 14 ] . قاله عيسى بن عمر الثقفي . الرابع : تنجون ، مأخوذ من العُصْرة وهي المنجاة ، قاله أبو عبيدة والزجاج ، ومنه قول الشاعر : @ صادياً يستغيث غير مغاث ولقد كان عُصْرَة المنجود @@ الخامس : تحسنون وتفضلون ، ومنه قول الشاعر : @ لو كان في أملاكنا ملك يعصر فينا مثل ما تعصر @@ أي يحسن : وهذا القول من يوسف غير متعلق بتأويل الرؤيا وإنما هو استئناف خبر أطلقه الله تعالى عليه من آيات نبوته .