Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 71-74)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها } لأنه أراد أن يعبر في البحر إلى أرض أخرى فركب في السفينة وفيها ركاب ، فأخذ الخضر فأساً ومنقاراً فخرق السفينة حتى دخلها الماء وقيل إنه قلع منها لوحين فضج ركابها من الغرق . فـ { قال } له موسى { أخرقتها لتغرق أهلها } وإن كان في غرقها غرق جميعهم لكنه أشفق على القوم أكثر من إشفاقه على نفسه لأنها عادة الأنبياء . ثم قال بعد تعجبه وإكباره { لقد جئت شيئاً إمْراً } فأكبر ثم أنكر ، وفي الإمر ثلاثة أوجه : أحدها : يعني منكراً ، قاله مجاهد . الثاني : عجباً ، قاله مقاتل . الثالث : أن الإمر الداهية العظيمة ، قاله أبو عبيدة وأنشد : @ قد لقي الأقران مِنّي نُكْرا داهيةً دهياء إدّاً إمْرا @@ وهو مأخوذ من الإمر وهو الفاسد الذي يحتاج إلى الصلاح ، ومنه رجل إمر إذا كان ضعيف الرأي لأنه يحتاج أن يؤمر حتى يقوى رأيه ، ومنه أمِر القومُ إذا أكثروا لأنهم يحتاجون إلى من يأمرهم وينهاهم . قوله عز وجل : { قال لا تؤاخذني بما نسيتُ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : بما نسيته وغفلت عنه فلم أذكره ، وقد رفعه أبي بن كعب . الثاني : بما كأني نسيته ، ولم أنسه في الحقيقة . حكى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال : لم ينس ولكنها معاريض الكلام . الثالث : بما تركته من عهدك ، قاله ابن عباس ، مأخوذ من النسيان الذي هو الترك لا من النسيان الذي هو من السهو . { ولا تُرهقني مِنْ أمري عُسْراً } فيه أربعة أوجه : أحدها : لا تعنفني على ما تركت من وصيتك ، قاله الضحاك . الثاني : لا يغشني منك العسر ، من قولهم غلام مراهق إذا قارب أن يغشاه البلوغ ، ومنه حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ارهقوا القبلة " أي اغشوها واقربوا منها . الثالث : لا تكلفني ما لا أقدر عليه من التحفظ عن السهو والنسيان ، وهو معنى قول مقاتل : الرابع : لا يلحقني منك طردي عنك . قوله تعالى : { فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله } يعني انطلق موسى والخضر فاحتمل أن يكون يوشع تأخر عنهما ، لأن المذكور انطلاق اثنين وهو الأظهر لاختصاص موسى بالنبوة واجتماعه مع الخضر عن وحي ، واحتمل أن يكون معهما ولم يذكر لأنه تابع لموسى ، فاقتصر على ذكر المتبوع دون التابع لقول موسى : { ذلك ما كنا نبغي } فكان ذلك منه إشارة إلى فتاه يوشع . واختلف في الغلام المقتول هل كان بالغاً ، فقال ابن عباس : كان رجلاً شاباً قد قبض على لحيته لأن غير البالغ لا يجري عليه القلم بما يستحق به القتل ، وقد يسمى الرجل غلاماً ، قالت ليلى الأخيلية في الحجّاج : @ شفاها من الداء العُضال الذي بها غُلامٌ إذا هزَّ القَناةَ سقاها @@ وقال الأكثرون : كان صغيراً غير بالغ وكان يلعب مع الصبيان ، حتى مر به الخضر فقتله . وفي سبب قتله قولان : أحدهما : لأنه طبع على الكفر . الثاني : لأنه أصلح بقتله حال أبويه . وفي صفة قتله قولان : أحدهما : أنه أخذه من بين الصبيان فأضجعه وذبحه بالسكين ، قاله سعيد بن جبير . الثاني : أنه أخذ حجراً فقتل به الغلام ، قاله مقاتل فاستعظم موسى ما فعله الخضر من قتل الغلام من غير سبب . فـ { قال أقتلت نَفْساً زَكيةً بغير نفْسٍ } فاختلف هل قاله استخباراً أو إنكاراً على قولين : أحدهما : أنه قال ذلك استخباراً عنه لعلمه بأنه لا يتعدى في حقوق الله تعالى . الثاني : أنه قاله إنكاراً عليه لأنه قال { لقد جئت شيئاً نُكراً } قرأ أبو عمرو ونافع وابن كثير { زاكية } وقرأ حمزة وابن عامر وعاصم والكسائي زكيّة بغير ألف . واختلف في زاكية - وزكية على قولين : أحدهما : وهو قول الأكثرين أن معناهما واحد ، فعلى هذا اختلف في تأويل ذلك على ستة أوجه : أحدها : أن الزاكية التائبة ، قاله قتادة . الثاني : أنها الطاهرة ، حكاه ابن عيسى . الثالث : أنها النامية الزائدة ، قاله كثير من المفسرين ، قال نابغة بني ذبيان : @ وما أخرتَ من دُنياك نقص وإن قدّمْتَ عادَ لَك الزّكاءُ @@ يعني الزيادة . الرابع : الزاكية المسلمة ، قاله ابن عباس لأن عنده أن الغلام المقتول رجل . الخامس : أن الزاكية التي لم يحل دمها ، قاله أبو عمرو بن العلاء . السادس : أنها التي لم تعمل الخطايا ، قاله سعيد بن جبير . والقول الثاني : أن بين الزاكية والزكية فرقاً ، وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن الزاكية في البدن ، والزكية في الدين ، وهذا قول أبي عبيدة . الثاني : أن الزكية أشد مبالغة من الزاكية ، قاله ثعلب . الثالث : أن الزاكية التي لم تذنب ، والزكية التي أذنبت ثم تابت فغفر لها ، قاله أبو عمرو بن العلاء . { لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } فيه أربعة أوجه : أحدها : شيئاً منكراً ، قاله الكلبي . الثاني : أمراً فظيعاً قبيحاً ، وهذا معنى قول مقاتل . الثالث : أنه الذي يجب أن ينكر ولا يفعل . الرابع : أنه أشد من الإِمْر ، قاله قتادة .