Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 35-36)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { وَقُلْنَا يا آدَمَ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } . إن الله تعالى خلق حواء من ضلع آدم الأيسر بعد أن ألقى عليه النوم ، ولذلك قيل للمرأة : ضلع أعوج . وسُمِّيت امرأةً لأنها خُلِقَتْ مِنَ المرءِ ، فأما تسميتها حواء ، ففيه قولان : أحدهما : أنها سميت بذلك لأنها خلقت من حَيٍّ ، وهذا قول ابن عباسٍ ، وابن مسعود . والثاني : أنها سميت بذلك ، لأنها أم كل حيٍّ . واختُلِف في الوقت الذي خلقت فيه حواءُ على قولين : أحدهما : أن آدم أُدْخِلَ الجنَّةَ وَحْدَهُ ، فَلَمَّا استوحش خُلِقَتْ حواءُ من ضِلْعِهِ بعد دخوله في الجنة ، وهذا قول ابن عباسٍ ، وابن مسعود . والثاني : أنها خلقت من ضلعه قبل دخوله الجنة ، ثم أُدْخِلا معاً إلى الجنةِ ، لقوله تعالى : { وَقُلْنَا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ } ، وهذا قول أبي إسحاق . واختلف في الجَنَّةِ التي أُسْكِنَاهَا على قولين : أحدهما : أنها جنةُ الخُلد . والثاني : أنها جنةٌ أعدها الله لهما ، والله أعلم . قوله عز وجل : { وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا } . في الرغدِ ثلاثةُ تأويلاتٍ : أحدها : أنه العيش الهني ، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود ، ومنه قول امرئ القيس : @ بَيْنَمَا الْمَرْءُ تَرَاهُ نَاعِماً يَأْمِنُ الأحْدَاثَ في عَيْشٍ رَغَدْ @@ والثاني : أنه العيش الواسع ، وهذا قول أبي عبيدة . والثالث : أنه أراد الحلال الذي لا حساب فيه ، وهو قول مجاهد . قوله عز وجل : { وَلاَ تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ } . اختلف أهل التفسير في الشجرة التي نُهِيا عنها ، على أربعةِ أقاويل : أحدها : أنها البُرُّ ، وهذا قول ابن عباس . والثاني : أنها الكَرْمُ ، وهذا قول السُّدِّيِّ ، وجعدة بن هبيرة . والثالث : أنها التِّين ، وهذا قول ابن جريجٍ ، ويحكيه عن بعض الصحابة . والرابع : أنها شجرة الخلد التي تأكل منها الملائكة . وفي قوله تعالى : { فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ } قولان : أحدهما : من المعتدين في أكل ما لم يُبَحْ لكما . والثاني : من الظالمين لأنفسكما في أكلكما . واختلفُوا في معصية آدم بأكله من الشجرة ، على أي وجهٍ وقعت منه ، على أربعة أقاويل : أحدها : أنه أكل منها وهو ناسٍ للنهي لقولِهِ تعالى : { ولقد عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } [ طه : 115 ] وزعم صاحب هذا القول ، أن الأنبياء يلزمهم التحفظ والتيقُّظُ لكثرة معارفهم وعُلُوِّ منازلهم ما لا يلزم غيرهم ، فيكون تشاغله عن تذكُّر النهي تضييعاً صار به عاصياً . والقول الثاني : أنه أكل منها وهو سكران فصار مؤاخذاً بما فعله في السُّكْرِ ، وإن كان غير قاصدٍ له ، كما يؤاخَذُ به لو كان صاحياً ، وهو قول سعيد بن المسيب . والقول الثالث : أنه أكل منها عامداً عالماً بالنهي ، وتأول قوله : { وَلَقَدْ عَهْدْنَا إلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ } [ طه : 115 ] أي فَزَلَّ ، ليكون العَمْدُ في معصيةٍ يستحق عليها الذمَّ . والرابع : أنه أكل منها على جهة التأويل ، فصار عاصياً بإغفال الدليل ، لأن الأنبياء لا يجوز أن تقع منهم الكبائر ، ولقوله تعالى في إبليس : { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ } [ الأعراف : 22 ] وهو ما صرفهما إليه من التأويل . واختلف من قال بهذا في تأويله الذي استجاز به الأكل ، على ثلاثةِ أقاويلَ : أحدها : أنه تأويل على جهةِ التنزيه دون التحريم . والثاني : أنه تأويل النهي عن عين الشجرة دون جنسها ، وأنه إذا أكل من غيرها من الجنسِ لم يعصِ . والثالث : أن التأويل ما حكاه الله تعالى عن إبليس في قوله : { مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ } [ الأعراف : 23 ] . قوله عز وجل : { فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } . قرأ حمزة وحده : { فَأَزَالَهُمَا } بمعنى نحَّاهُما من قولك : زُلْتُ عن المكان ، إذا تنحَّيْتَ عنه ، وقرأ الباقون : { فَأَزَلَّهُمَا } بالتشديد بمعنى استزلَّهما من الزلل ، وهو الخطأ ، سمي زلَلاً لأنه زوال عن الحقَّ ، وكذلك الزّلة زوال عن الحق ، وأصله الزوال . والشيطان الذي أزلهما هو إبليس . واختلف المفسرون ، هل خلص إليهما حتى باشرهما بالكلام وشافههما بالخطاب أم لا ؟ فقال عبد الله بن عباس ، ووهب بن منبه ، وأكثر المفسرين أنه خلص إليهما ، واستدلُّوا بقوله تعالى : { وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } [ الأعراف : 21 ] وقال محمد بن إسحاق : لم يخلص إليهما ، وإنما أوقع الشهوة في أنفسهما ، ووسوس لهما من غير مشاهدة ، لقوله تعالى : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ } [ الأعراف : 20 ] ، والأول أظهر وأشهر . وقوله تعالى : { فَأَخْرجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ } يعني إبليس ، سبب خروجهما ، لأنه دعاهما إلى ما أوجب خروجهما . قوله عزَّ وجلَّ : { وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ } . الهُبوط بضم الهاء النزول ، وبفتحها موضع النزول ، وقال المفضل : الهبوط الخروج من البلدة ، وهو أيضاً دُخولها ، فهو من الأضداد ، وإذا كان الهبوط في الأصل هو النزول ، كان الدخُول إلى البلدة لسكناها نزولاً بها ، فصار هُبوطاً . واختلفوا في المأمور بالهبوط ، على ثلاثة أقاويل : أحدها : أنه آدم ، وحواء ، وإبليس ، والحيَّةُ ، وهذا قول ابن عباس . والثاني : أنه آدم وذريته ، وإبليس وذريته ، وهذا قول مجاهد . والثالث : أنه آدم ، وحواء ، والمُوَسْوِسُ . والعدو اسم يستعمل في الواحد ، والاثنين ، والجمع ، والمذكر ، والمؤنث ، والعداوة مأخوذة من المجاوزة من قولك : لا يَعْدوَنَّكَ هذا الأمْرُ ، أيْ لا يُجاوِزَنَّكَ ، وعداهُ كذا ، أي جازوه ، فَسُمِّيَ عَدُوّاً لمجاوزةِ الحدِّ في مكروه صاحبه ، ومنه العَدْوُ بالقَدَم لمجاوزة المشْيِ ، وهذا إخبار لهم بالعداوة وتحذير لهم ، وليس بأمر ، لأن الله تعالى لا يأمر بالعداوة . واخْتُلِفَ في الَّذينَ قِيلَ لهم : { بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عدُوٌّ } ، على قولين : أحدهما : أنهم الذين قيل هلم اهبطوا ، على ما ذكرنا من اختلاف المفسرين فيه . والثاني : أنهم بنو آدم ، وبنو إبليس ، وهذا قول الحسن البصري . قوله عز وجل : { وَلَكُمْ في الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ } فيه تأويلان : أحدهما : أن المستقر من الأرض موضع مقامهم عليها ، لقوله تعالى : { جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَاراً } [ غافر : 64 ] ، وهذا قول أبي العالية . والثاني : أنه موضع قبورهم منها ، وهذا قول السُّدِّيِّ . قوله عز وجلَّ : { وَمَتَاعٌ إلى حينٍ } : والمتاع كل ما اسْتُمْتِعَ به من المنافع ، ومنه سُمِّيَتْ متعة النكاح ، ومنه قوله تعالى : { فَمَتِّعُوهُنَّ } [ الأحزاب : 49 ] ، أي ادفعوا إليْهِنَّ ما ينتفعْنَ به ، قال الشاعر : @ وَكُلُّ غَضَارَةٍ لَكَ من حَبِيب لها بِكَ ، أو لَهَوْتَ بِهِ ، مَتَاعُ @@ والحين : الوقت البعيد ، فـ " حِينئِذٍ " تبعيد قولِكَ : " الآن " ، وفي المراد بالحين في هذا الموضع ثلاثة أقاويل : أحدها : إلى الموت ، وهو قول ابن عباس والسُّدِّيِّ . والثاني : إلى قيام الساعة ، وهو قول مجاهد . والثالث : إلى أجلٍ ، وهو قول الربيع .