Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 37-39)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجلَّ : { فَتَلَّقى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلَمَاتٍ فَتابَ عَلَيْهِ } : أما " الكلام " فمأخوذ من التأثير ، لأن له تأثيراً في النفس بما يدلُّ عليه من المعاني ؛ ولذلك سُمِّيَ الجُرْحُ كَلْماً لتَأْثِيره في البدن ، واللفظُ مشتق من قولك : لفظت الشيء ، إذا أخْرجْتَهُ من قلبك . واختُلِفَ في الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربِّه على ثلاثة أقاويل : أحدها : قوله : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ } [ الأعراف : 23 ] وهذا قول الحسن ، وقتادة ، وابن زيد . والثاني : قول آدم : اللهم لا إله إلا أنت ، سبحانك وبحمدك ، ربِّ إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي ، إنك خير الغافرين ، اللهم لا إله إلا أنت ، سبحانك وبحمدك ، إنِّي ظلمت نفسي ، فتُب عليَّ ، إِنَّك أنت التوابُ الرحيم ، وهذا قول مجاهد . والثالث : أن آدم قال لربِّه إذ عصاه : ربِّ أرأيت إن تبت وأصلحت ؟ فقال ربُّه : إني راجعك إلى الجنَّةِ ، وكانت هي الكلمات التي تلقاها من ربه ، وهذا قول ابن عباسٍ . قوله عز وجل : { فَتَابَ عَلَيْهِ } ، أي قبل توبته ، والتوبةُ الرجوع ، فهي من العبد رجوعه عن الذنب بالندم عليه ، والإقلاع عنه ، وهي من الله تعالى على عبده ، رجوع له إلى ما كان عليه . فإن قيل : فِلمَ قال : { فَتَابَ عَلَيْهِ } ، ولم يقُلْ : فتابَ علَيْهِما ، والتوبة قد توجهت إليهما ؟ قيل : عنه جوابان : أحدهما : لما ذكر آدم وحده بقوله : { فَتَلَّقى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ } ، ذكر بعده قبول توبته ، ولم يذكر توبة حوَّاء وإن كانت مقبولة التوبة ، لأنه لم يتقدم ذكرها . والثاني : أن الاثنين إذا كان معنى فعلهما واحداً ، جاز أن يذكرَ أحدهما ، ويكونَ المعنى لهما ، كما قال تعالى : { وَإذَا رَأَوا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا } [ الجمعة : 11 ] وكما قال عز وجل : { وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] . قوله تعالى : { إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ، أي الكثيرُ القبولِ للتوبةِ ، وعقَّبه بالرحمة ، لئلا يخلِّيَ الله تعالى عباده من نِعَمِهِ . وقال الحسن : لم يخلق الله تعالى آدم إلا للأرض ، فلو لم يعص لخرج على غير تلك الحال ، وقال غيره : يجوز أن يكون خَلَقَهُ للأرض إن عَصَى ، ولغيرها إن لم يعصِ . ولم يُخْرجِ اللهُ تعالى آدمَ من الجنة ويُهْبِطهُ على الأرض عقوبةً ، لأمرين : أحدهما : أن ذنبه كان صغيراً . والثاني : أنه أُهْبِطَ بعد قبول توبته . وإنما أُهْبِطَ لأحد أمرين : إِمَّا تأديباً ، وإمَّا تغليظاً للمحنة .