Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 49-50)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { وَإِذْ نَجَّيناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ } يعني من قوم فرعون ، وآل الرَّجُلِ : هم الَّذين تؤول أمورهم إليه ، إما في نسب ، أو في صحبة ، وَاختُلِف في الآل والأهل على قولين : أحدهما : أنهما سواء . والثاني : وهو قول الكسائي : أنه يقال : آل الرجل ، إذا ذكر اسمهُ ، فإن كُنَيَ عنه قيل أهله ، ولم يُقَلْ آله ، كما يقال : أهل العلم ، وأهل البصرة ، ولا يقال : آل العلم ، وآل البصرة . وفِرْعَوْنُ : قيل إنه ذلك الرجل بعينه ، وقيل إنه اسمُ كلِّ ملكٍ من ملوك العمالقة ، مثل قيصر للروم ، وكسرى للفرس ، وأن اسْمَ فِرْعَوْنِ مَوسَى : الوليدُ بنُ مُصْعَبٍ . وفي قوله تعالى : { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ } ثلاثةُ تأويلاتٍ : أحدها : معناه يولونكم ، مِنْ قولهم : سَامَهُ خطة خَسْفٍ ، إذا أولاه . والثاني : يُجَشِّمُونَكُمُ الأعمال الشَّاقَّة . والثالث : يزيدونكم على سوء العذاب ، ومنه مساومة البيع ، إنما هو أن يزيد البائعُ المشتريَ على ثمنٍ ، ويزيد المشتري على ثمنٍ ، وهذا قول المفضل . قوله تعالى : { وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } أي يستبقون ، وهو استفعال من الحياة ، لأنهم كانوا يُذَبِّحُونَ الذكور ، ويستبقون الإناث . وأما اسم النساء ، فقد قيل : إنه ينطلق على الصغار ، والكبار ، وقيل : بل ينطلق على الكبار ، وإنما سَمَّي الصغار نساءً ، على معنى أنهُنَّ يبقِين ، حتَّى يصِرْنَ نساءً . وإنما كان استبقاءُ النساء من سوء العذاب ، لأنهم كانوا يستبقونهن للاسترقاق والخدمة ، فصار ذلك هو سُوءَ العذاب ، لا الاستبقاء . وفي قوله تعالى : { وَفِي ذَلِكُم بَلاَءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } تأويلان : أحدهما : أن فيما كانوا يفعلونه بهم : مِنْ سوء العذاب ، وذبح الأبناء ، واستحياء النساءِ شدةً وجهداً عظيماً . والثاني : أن في إنجائهم من آل فرعونَ ، الذين كانوا يفعلون ذلك بهم نعمةٌ من ربِّهم عظيمةٌ ، وهو قول ابن عباسٍ ، ومجاهدٍ ، والسدي . وأصل البلاء الاختبار في الخير والشر ، كما قال عز وجل : { وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً } [ الأنبياء : 35 ] لأن الاختبار قد يكون بالخير كما يكون بالشر ، غير أن الأكثر في الشر أن يقال : بَلَوْتُه أَبْلُوهُ بلاءً ، وفي الخير : أَبْلَيْتُهُ أُبْلِيهِ إبْلاءً ، ومن ذلك قولُ زُهَيْرٍ : @ جَزَى اللهُ بِالإْحْسَانِ مَا فَعَلاَ بِكُمْ فَأَبْلاَهُمَا خَيْرَ الْبَلاءِ الَّذِي يَبْلُو @@ فجمع بين اللُّغَتين . قوله عز وجل : { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ } فيه تأويلان : أحدهما : وإذ فصلنا بكم البحر ، لأن الفرْقَ : الفصل بين الشيئين ، فَفَرَقَ البحر اثني عشر طريقاً ، وكان عددهم ستمائة ألفٍ وعشرين ألفاً ، لا يُعَدُّ فيهم ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره ، وكان على مقدمة فرعونَ هامانُ في ألْفِ ألْفٍ ، وسبعمائة حصانٍ ، وذلك قوله : { فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ في الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ . إِنَّ هَؤُلاَءِ لَشِرْ ذِمَةٌ قَلِيلُونَ } [ الشعراء : 53 ، 54 ] وهذا قول السدي . والثاني : أن معناه : وإذ فرقنا بينكم وبين البحر ، أي ميزنا ، فأصل الفرق التمييز بين الشيئين ، والفِرْقَةُ من الناس : الطائفة المتميزة من غيرهم . والبحر سُمِّيَ بحراً لسعته وانبساطه ، ومنه قولهم : تبحَّر في العلم ، إذا اتَّسع فيه ، والبَحِيرَةُ : الناقةُ تُشَقُّ أُذُنُها شَقّاً واسعاً . قوله تعالى : { فَأَنْجَيْناكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } فحذف ذِكْرَ فرْعَوْنَ وإن غَرِقَ معهم ، لأنه قد عُلِمَ دخوله فيهم . قوله تعالى : { وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } يعني إلى فَرْقِ البحر ، حتى سلكوا فيه ، وانطباقه على آل فرعون ، حتى غرقوا فيه .