Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 32-34)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَأَنكِحُواْ الأَيَامَى مِنكُمْ } وهو جمع أيّم ، وفي الأيم قولان : أحدهما : أنها المتوفى عنها زوجها ، قاله محمد بن الحسن . الثاني : أنها التي لا زوج لها بكراً كانت أو ثيباً وهو قول الجمهور . يقال رجل أيّم إذا لم تكن له زوجة وامرأة أيّم إذا لم يكن لها زوج . ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الأيمة يعني العزبة قال الشاعر : @ فَإِن تَنْكَحِي أَنكِحْ وإن تَتَأَيَّمِي وإن كُنْتَ أَفْتَى منكُم أَتَأَيَّمُ @@ وروى القاسم قال : أمر بقتل الأيم يعني الحية . وفي هذا الخطاب قولان : أحدهما : أنه خطاب للأولياء أن ينكحوا آيامهم من أكفائهن إذا دعون إليه لأنه خطاب خرج مخرج الأمر الحتم فلذلك يوجه إلى الولي دون الزوج . الثاني : أنه خطاب للأزواج أن يتزوجوا الأيامى عند الحاجة . واختلف في وجوبه فذهب أهل الظاهر إليه تمسكاً بظاهر الأمر ، وذهب جمهور الفقهاء إلى استحبابه للمحتاج من غير إيجاب وكراهته لغير المحتاج . ثم قال : { وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَآئِكُمْ } فيه وجهان : أحدهما : أن معنى الكلام وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من رجالكم وأنكحوا إماءَكم . الثاني : وهو الأظهر أنه أمر بإنكاح العبيد والإِيماء كما أمرنا بإنكاح الأيامى لاستحقاق السيد لولاية عبده وأمته فإن دعت الأمة سيدها أن يتزوجها لم يلزمه لأنها فراش له ، وإن أراد تزويجها كان له خيراً وإن لم يختره ليكتسب رق ولدها ويسقط عنه نفقتها . وإن أراد السيد تزويج عبد أو طلب العبد ذلك من سيده فهل للداعي إليه أن يجبر الممتنع فيهما عليه أم لا ؟ على قولين : { إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يَغْنِهِمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } فيه وجهان : أحدهما : إن يكونوا فقراء إلى النكاح يغنهم الله به عن السفاح . الثاني : إن يكونوا فقراء إلى المال يغنهم الله إما بقناعة الصالحين ، وإما باجتماع الرزقين ، وروى عبد العزيز بن أبي رواد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اطْلُبُواْ الغِنَى فِي هذِهِ الآية " { إِن يَكُونَواْ فُقَرآءَ يُغْنهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } . { وَاللَّهُ وَاسَعٌ عَلِيمٌ } فيه وجهان : أحدهما : واسع العطاء عليم بالمصلحة . الثاني : واسع الرزق عليهم بالخلق . قوله تعالى : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً } أي وليعف ، والعفة في العرف الامتناع من كل فاحشة ، قال رؤبة : يعف عن أسرارها بعد الفسق . يعني عن الزنى بها . { حَتَّى يَغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } يحتمل وجهين : أحدهما يغنيهم الله عنه بقلة الرغبة فيه . الثاني : يغني بمال حلال يتزوجون به . { وَالَّذيَنَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِم خَيْراً } أما الكتاب المبتغى هنا هو كتابة العبد والأمة على مال إذا أدياه عتقا به وكانا قبله مالكين للكسب ليؤدي في العتق ، فإن تراضى السيد والعبد عليها جاز ، وإن دعا السيد إليها لم يجبر العبد عليها . وإن دعا العبد إليها ففي إجبار السيد عليها إذ علم فيه خيراً مذهبان : أحدهما : وهو قول عطاء ، وداود ، يجب على السيد مكاتبته ويجبر إن أبى . الثاني : وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء أنه يستحب له ولا يجبر عليه فإذا انعقدت الكتابة لزمت من جهة السيد وكان المكاتب فيها مخيراً بين المقام والفسخ . { إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } خمسة تأويلات : أحدها : أن الخير ، القدرة على الاحتراف والكسب ، قاله ابن عمر وابن عباس . الثاني : أن الخير : المال ، قاله عطاء ومجاهد . الثالث : أنه الدين والأمانة ، قاله الحسن . الرابع : أنه الوفاء والصدق ، قاله قتادة وطاووس . الخامس : أنه الكسب والأمانة ، قاله الشافعي . { وءَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي ءَاتَاكُمْ } فيه قولان : أحدهما : يعني من مال الزكاة من سهم الرقاب يعطاه المكاتب ليستعين به في أداء ما عليه للسيد . ولا يكره للسيد أخذه وإن كان غنياً ، قاله الحسن ، وإبراهيم وابن زيد . الثاني : من مال المكاتبة معونة من السيد لمكاتبه كما أعانه غيره من الزكاة . واختلف من ذهب إلى هذا التأويل في وجوبه فذهب أبو حنيفة إلى أنه مستحب وليس بواجب ، وذهب الشافعي إلى وجوبه وبه قال عمر وعلي وابن عباس . واختلف من قال بوجوبه في هذا التأويل في تقديره فحكي عن علي أنه قدره بالربع من مال الكتابة ، وذهب الشافعي إلى أنه غير مقدر ، وبه قال ابن عباس . وإن امتنع السيد منه طوعاً قضى الحاكم به عليه جبراً واجتهد رأيه في قدره ، وحكم به في تركته إن مات ، وحاص به الغرماء إن أفلس . والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم في قول الشافعي وأصحابه ، وإذا عجز عن أداء نجم عند محله كان السيد بالخيار بين إنظاره وتعجيزه وإعادته رقاً ، ولا يرد ما أخذه منه أو من زكاة أعين بها أو مال كسبه . قال الكلبي وسبب نزول قوله تعالى : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُم فِيهِمْ خَيْراً } الآية ؛ أن عبداً اسمه صبح لحويطب بن عبد العزى سأله أن يكاتبه فامتنع حويطب فأنزل الله ذلك فيه . قوله تعالى : { وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } الفتيات الإماء ، البغاء الزنى ، والتحصن التعفف ، ولا يجوز أن يكرهها ولا يمكنها سواء أرادت تعففاً أو لم تُرِدْ . وفي ذكر الإِكراه هنا وجهان : أحدهما : لأن الإِكراه لا يصح إلا فيمن أراد التعفف ، ومن لم يرد التعفف فهو مسارع إلى الزنى غير مكره عليه . الثاني : أنه وارد على سبب فخرج النهي على صفة السبب وإن لم يكن شرطاً فيه ، وهذا ما روى جابر بن عبد الله أن عبد الله بن أبي بن سلول كانت له أمة يقال لها مسيكة وكان يكرهها على الزنى فزنت ببُرْدٍ فأعطته إياه فقال : ارجعي فازني على آخر : فقال : لا والله ما أنا براجعة وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن سيدي يكرهني على البغاء فأنزل الله هذه الآية ، وكان مستفيضاً من أفعال الجاهلين طلباً للولد والكسب . { لِّتَبْتَغُواْ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } أي لتأخذوا أجورهن على الزنى . { وَمَن يُكْرِههُّنَّ } يعني من السادة . { فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } يعني للأمة المكرهة دون السيد المكرِه .