Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 21-25)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عز وجل : { وهل أتاك نبأ الخَصْم } والخصم يقع على الواحد والاثنين والجماعة لأن أصله المصدر . { إذ تسوروا المحراب } ومعنى تسوروا أنهم أتوه من أعلى سورة وفي المحراب أربعة أقاويل : أحدها : أنه صدر المجلس ، ومنه محراب المسجد ، قاله أبو عبيدة . الثاني : مجلس الأشراف الذي يتحارب عليه لشرف صاحبه ، حكاه ابن عيسى . الثالث : أنه المسجد ، قاله يحيى بن سلام . الرابع : أنه الغرفة لأنهم تسوروا عليه فيها . { إذ دخلوا على داود ففزع منهم } وسبب ذلك ما حكاه ابن عيسى : إن داود حدث نفسه إن ابتلي أن يعتصم ، فقيل له إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك ، فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه ، فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر كأحسن ما يكون من الطير فجعل يدرج بين يديه ، فهمّ أن يستدرجه بيده فاستدرج حتى وقع في كوة المحراب فدنا منه ليأخذه فانتفض فاطلع لينظره فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها ، قال السدي فوقعت في قلبه ، قال ابن عباس وكان زوجها غازياً في سبيل الله ، قال مقاتل وهو أوريا بن حنان ، فكتب داود إلى أمير الغزاة أن يجعل زوجها في حملة التابوت ، وكان حملة التابوت إما أن يفتح الله عليهم أو يقتلوا ، فقدمه فيهم فقتل ، فلما انقضت عدتها خطبها داود فاشترطت عليه إن ولدت غلاماً أن يكون الخليفة بعده ، وكتبت عليه بذلك كتاباً وأشهدت عليه خمسين رجلاً من بني إسرائيل فلم يشعر بفتنتها حتى ولدت سليمان وشب وتسور عليه الملكان وكان من شأنهما ما قَصَّه الله في كتابه . وفي فزعه منهما قولان : أحدهما : لأنهم تسوروا عليه من غير باب . الثاني : لأنهم أتوه في غير وقت جلوسه للنظر . { قالوا لا تخف خصمان بَغَى بعضنا على بعض } وكانا ملكين ولم يكونا خصمين ولا باغيين ، ولا يأتي منهما كذب ، وتقدير كلامها : ما تقول إن أتاك خصمان وقالا بغى بعضنا على بعض . وثنى بعضهم هنا وجمعه في الأول حيث قال : { وهل أتاك نبأ الخصم } لأن جملتهم جمعت ، وهم فريقان كل واحد منهما خصم . { فاحكم بيننا بالحق } أي بالعدل . { ولا تشطط } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : لا تملْ ، قاله قتادة . الثاني : لا تَجُر ، قاله السدي . الثالث : لا تسرف ، قاله الأخفش . وفي أصل الشطط قولان : أحدهما : أن أصله البعد من قولهم شطط الدار إذا بعدت ، قال الشاعر : @ تشطط غداً دار جيراننا والدار بعد غد أبعد @@ الثاني : الإفراط . قال الشاعر : @ ألا يالقومي قد اشطّت عواذلي وزعمن أن أودى بحقّي باطلي @@ { واهدِنا إلى سواءِ الصراط } فيه وجهان : أحدهما : أرشدنا إلى قصد الحق ، قاله يحيى . الثاني : إلى عدل القضاء ، قاله السدي . { إن هذا أخي } فيه وجهان : أحدهما : يعني على ديني ، قاله ابن مسعود . الثاني : يعني صاحبي ، قاله السدي . { له تسع وتسعونَ نعجةً وليَ نعجةٌ واحدةٌ } فيها وجهان : أحدهما : أنه أراد تسعاً وتسعين امرأة ، فكنى عنهن ، بالنعاج ، قاله ابن عيسى . قال قطرب : النعجة هي المرأة الجميلة اللينة . الثاني : أنه أراد النعاج ليضربها مثلاً لداود ، قاله الحسن . { فقال أكفلنيها } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : ضمها إليَّ ، قاله يحيى . الثاني : أعطنيها ، قاله الحسن . الثالث : تحوّل لي عنها ، قاله ابن عباس وابن مسعود . { وعزّني في الخطاب } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أي قهرني في الخصومة ، قاله قتادة . الثاني : غلبني على حقي ، من قولهم من عزيز أي من غلب سلب ، قاله ابن عيسى . الثالث : معناه إن تكلم كان أبين ، وإن بطش كان أشد مني ، وإن دعا كان أكثر مني ، قاله الضحاك . قوله عز وجل : { قال لقد ظَلَمَكَ بسؤال نعجتِك إلى نعِاجه } فإن قيل فكيف يحكم لأحد الخصمين على الآخر بدعواه ؟ ففيه جوابان : أحدهما : أن الآخر قد كان أقر بذلك فحكم عليه داود عليه السلام بإقراره ، فحذف اكتفاء بفهم السامع ، قاله السدي . الثاني : إن كان الأمر كما تقول لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه . { وإنَّ كثيراً من الخُلَطاءِ } يحتمل وجهين : أحدهما : الأصحاب . الثاني : الشركاء . { لَيَبْغِي بعضهم على بعض } أي يتعدى . { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } تقديره فلا يبغي بعضهم على بعض ، فحذف اكتفاء بفهم السامع . { وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ } فيه وجهان : أحدهما : وقليل ما فيه من يبغي بعضهم على بعض ، قاله ابن عباس . الثاني : وقليل من لا يبغي بعضهم على بعض ، قاله قتادة . وفي { ما } التي في قوله { وقليل ما هم } وجهان : أحدهما : انها فضلة زائدة تقديره : وقليل هم . الثاني : أنها بمعنى الذي : تقديره : وقليل الذي هم كذلك . { وظن داود أنما فتناه } قال قتادة أي علم داود أنما فتناه وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : اختبرناه ، قاله ابن عباس . الثاني : ابتليناه ، قاله السدي . الثالث : شددنا عليه في التعبد ، قاله ابن عيسى . { فاستغفر ربَّه } من ذنبه . قال قتادة : قضى نبي الله على نفسه ولم يفطن لذلك ، فلما تبين له الذنب استغفر ربه . واختلف في الذنب على أربعة أقاويل : أحدها : أنه سمع من أحد الخصمين وحكم له قبل سماعه من الآخر . الثاني : هو أن وقعت عينه على امرأة أوريا بن حنان واسمها اليشع وهي تغتسل فأشبع نظره منها حتى علقت بقلبه . الثالث : هو ما نواه إن قتل زوجها تزوج بها وأحسن الخلافة عليها ، قاله الحسن . وحكى السدي عن علي كرم الله وجهه قال : لو سمعت رجلاً يذكر أن داود قارف من تلك المرأة محرَّماً لجلدته ستين ومائة لأن حد الناس ثمانون وحد الأنبياء ستون ومائة ، حَدّان . { وخَرّ راكعاً وأناب } أي خرّ ساجداً وقد يعبر عن السجود بالركوع ، قال الشاعر : @ فخر على وجهه راكعاً وتاب إلى الله من كل ذنب @@ قال مجاهد : مكث أربعين يوماً ساجداً لا يرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينه فغطى رأسه إلى أن قال الله تعالى : { فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب } أي مرجع . في الزلفى وجهان : أحدهما : الكرامة ، وهو المشهور . الثاني : الرحمة قاله الضحاك . فرفع رأسه وقد قرح جبينه . واختلف في هذه السجدة على قولين : أحدهما : أنها سجدة عزيمة تسجد عند تلاوتها في الصلاة وغير الصلاة ، قاله أبو حنيفة . الثاني : أنها سجدة شكر لا يسجد عند تلاوتها لا في الصلاة ، ولا في غير الصلاة وهو قول الشافعي . قال وهب بن منبه : فمكث داود حيناً لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه ، ولا يأكل طعاماً إلا بلّه بدموعه ، ولا ينام على فراش إلا غرقه بدموعه . وحكي عن داود أنه كان يدعو على الخطائين فلما أصاب الخطيئة كان لا يمر بواد إلا قال : اللهم اغفر للخاطئين لعلك تغفر لي معهم .