Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 2-4)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَءَاتُواْ اليَتَامَى أَمْوَالَهُم وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ } فيه أربعة تأويلات : أحدها : الحرام بالحلال ، وهو قول مجاهد . والثاني : هو أن يجعل الزائف بدل الجيد ، والمهزول بدل السمين ويقول درهم بدرهم ، وشاة بشاة ، وهو ابن المسيب والزهري والضحاك والسدي . والثالث : هو استعجال أكل الحرام قبل إتيان الحلال ، وهو معنى قول مجاهد . والرابع : أن أهل الجاهلية كانواْ لا يورثون الصغار والنساء ويأخذه الرجل الأكبر ، فكان يستبدل الخبيث بالطيب لأن نصيبه من الميراث طيب ، وأخذه الكل خبيث ، وهو قول ابن زيد . { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ } أي مع أموالكم ، وهو أن يخلطوها بأموالهم لتصير في ذمتهم فيأكلوا ربحها . { إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } والحُوب : الإثم ، ومنه قولهم تحوّب فلانٌ من كذا ، إذا توقى ، قال الشاعر : @ فإن مهاجرين تكنفاهُ غداة إذٍ لقد خطئنا وحَابَا @@ قال الحسن البصري : لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى كرهوا أن يخالطوهم وجعل ولي اليتيم يعزل ماله عن ماله فشكواْ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُم فَإِخْوَانُكُم } [ البقرة : 220 ] أي فخالطوهم واتقوا إثمه . { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَآءِ } فيه أربع تأويلات : أحدها : يعني إن خفتم ألا تعدلواْ في نكاح اليتامى ، فانكحوا ما حَلَّ لكم من غيرهن من النساء ، وهو قول عائشة رضي الله عنها . والثاني : أنهم كانواْ يخافون ألاّ يعدلوا في أموال اليتامى ، ولا يخافون أن لا يعدلواْ في النساء ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، يريد كما خفتم ألاّ تعدلواْ في أموال اليتامى ، فهكذا خافوا ألا تعدلوا في النساء ، وهذا قول سعيد بن جبير ، والسدي ، وقتادة . والثالث : أنهم كانوا يتوقَّون أموال اليتامى ولا يتوقَّون الزنى ، فقال كما خفتم في أموال اليتامى ، فخافواْ الزنى ، وانحكوا ما طاب لكم من النساء ، وهذا قول مجاهد . والرابع : إن سبب نزولها ، أن قريشاً في الجاهلية كانت تكثر التزويج بغير عدد محصور ، فإذا كثر على الواحد منهم مؤن زوجاته ، وقَلَّ مالُه ، مدّ يده إلى ما عنده من أموال الأيتام ، فأنزل الله تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَاءِ } . وفي قوله تعالى : { مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ الْنِّسَاءِ } قولان : أحدهما : أن ذلك عائد إلى النساء وتقديره فانحكوا من النساء ما حلَّ . وهذا قول الفراء . والثاني : أن ذلك عائد إلى النكاح وتقديره فانحكوا النساء نكاحاً طيباً . وهذا قول مجاهد . { مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } تقديراً لعددهن وحصراً لمن أبيح نكاحه منهن وهذا قول عكرمة . { مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ } معدول به عن اثنين وثلاث وأربع ، وكذلك أُحاد وموحد ، وثناء ومثنى ، وثلاث ومثلث ، ورباع ومربع ، وهو اسم للعدد معرفة ، وقد جاء الشعر بمثل ذلك ، قال تميم بن أبي مقبل : @ ترى العثرات الزُّرْق تحت لَبَانِه أُحاد ومثْنى أضعفتها كواهِله @@ وقال آخر : @ قتلنا به من بين مَثْنى وموحد بأربعة منكم وآخر خامس @@ قال أبو عبيدة : ولم يسمع من العرب صرف ما جاوز الرباع والمربع عن جهته إلا في بيت للكميت ، فإنه قال في العشرة عُشار وهو قوله : @ فلم يَسْتَرِيَثُوكَ حتى رَمِدْ ت فوق الرجال خِصالاً عشاراً @@ وقال أبو حاتم : بل قد جاء في كلامهم من الواحد إلى العشرة ، وأنشد قول الشاعر : @ ضربت خماس ضربة عبشمي أدار سداس ألاَّ يستقيما @@ { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا } يعني في الأربع ، { فَوَاحِدَةً } يعني من النساء . { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } يعني في الإماء . { ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ } فيه ثلاثة أقاويل : أحدها : أَلاَّ يكثر مَنْ تعولون ، وهو قول الشافعي . والثاني : معناه ألاّ تضلواْ ، وهو قول ابن إسحاق ، ورواه عن مجاهد . والثالث : ألا تميلوا عن الحق وتجوروا وهو قول ابن عباس ، وقتادة ، وعكرمة . وأصل العول الخروج عن الحد ومنه عول الفرائض لخروجها عن حد السهام المسمّاة ، وأنشد عكرمة بيتاً لأبي طالب : @ بميزان قسط لا يَخيسُ شعيرةً ووازن صِدْقٍ وزنهُ غير عائل @@ أي غير مائل . وكتب عثمان بن عفان إلى أهل الكوفة في شيء عاتبوه فيه : إني لست بميزان قسطٍ لا أعول . قوله تعالى : { وءَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ … } اختلف فِيمَنْ توجَّه إليه هذا الخطاب على قولين : أحدهما : أنه متوجه إلى الأزواج ، وهو قول الأكثرين . والثاني : أنه متوجه إلى الأولياء ، لأنهم كانواْ يتملكون في الجاهلية صداق المرأة ، فأمر الله بدفع صدقاتهن إليهن ، وهو قول أبي صالح . وأما النَّحلة فهي العطية من غير بدل ، وسمي الدين نِحْلَةَ ، لنه عطية من الله ، وفي تسميه النّحْل بذلك قولان : أحدهما : أنه سمي نحلاً لما يعطي من العسل . والثاني : لأن الله تعالى نَحَلهُ عباده . وفي المراد بالنَّحلة في الصداق أربعة تأويلات : أحدها : يعني فريضة مُسَمَّاة ، وهو قول قتادة ، وابن جريج . والثاني : أنه نحلة من الله عز وجل لهن بعد أن كان ملكاً للأولياء ، وهو قول أبي صالحٍ . والثالث : انه نهى لِما كانوا عليه من خِطْبة الشغار ، والنكاح بغير صداق ، وهو قول سليمان بن جعفر بن أبي المعتمر . والرابع : انه أراد أن يطيبوا نفساً بدفعه ، كما يطيبون نفساً بالنحل والهبة ، وهو قول بعض المتأخرين . { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً } يعني الزوجات إن طبن نفساً عن شيء من صداقهن لأزواجهن في قول من جعله خطاباً للأزواج ، ولأوليائهن في قول من جعله خطاباً للأولياء . { فَكُلُوهُ هُنِيئاً مَّرِيئاً } الهنيء ما أعقب نفعاً وشفاء ، ومنه هنأ البعير للشفاء ، قال الشاعر :