Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 112-115)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { إِذْ قَالَ الْحوَارِيُّونَ يَا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ } ، قرأ الكسائي وحده { هل تَّستطيع ربَّك } بالتاء والإِدغام ، وربك بالنصب ، وفيها وجهان : أحدهما : معناه هل تستدعي طاعة ربك فيما تسأله ، قاله الزجاج . والثاني : هل تستطيع أن تسأل ربك ، قاله مجاهد ، وعائشة . وقرأ الباقون { هل يستطيع ربك } بالياء والإِظهار ، وفي ذلك التأويل ثلاثة أوجه : أحدها : هل يقدر ربك ، فكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله تعالى . والثاني : معناه هل يفعل ربك ، قاله الحسن ، لأنهم سموا بالحواريين بعد إيمانهم . والثالث : معناه هل يستجيب لك ربك ويطيعك . { أَن يُنَزِّلَ عَلَينَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَآءِ } قاله السدي ، قال قطرب : والمائدة لا تكون مائدة حتى يكون عليها طعام ، فإن لم يكن قيل : خِوان ، وفي تسميتها مائدة وجهان : أحدهما : لأنها تميد ما عليها أي تعطي ، قال رؤبة : @ … إلى أمير المؤمنين الممتاد @@ أي المستعطي . والثاني : لحركتها بما عليها من قولهم : مَادَ الشيء إذا مال وتحرك ، قال الشاعر : @ لعلك باك إن تغنت حمامة يميد غصن من الأيك مائل @@ { قَالَ اتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } فيه قولان : أحدهما : يعني اتقوا معاصي الله إن كنتم مؤمنين به ، وإنما أمرهم بذلك لأنه أولى من سؤالهم . والثاني : يعني اتقوا الله فى سؤال الأنبياء إما طلباً لِعَنَتِهِم وإما استزادة للآيات منهم ، إن كنتم مؤمنين بهم ومصدقين لهم لأن ما قامت به دلائل صدقهم يغنيكم عن استزادة الآيات منهم . قوله تعالى : { قَالُوا نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا } وهذا اعتذار منهم بَيَّنُوا به سبب سؤالهم حين نهوا عنه فقالوا : { نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا } . يحتمل وجهين : أحدهما : أنهم أرادوا الأكل منها للحاجة الداعية إليها . والثاني : أنهم أرادوه تبركاً بها لا لحاجة دعتهم إليها ، وهذا أشبه لأنهم لو احتاجوا لم ينهوا عن السؤال . { وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : تطمئن إلى أن الله تعالى قد بعثك إلينا نبياً . والثاني : تطمئن إلى أن الله تعالى قد اختارنا لك أعواناً . والثالث : تطمئن إلى أن الله قد أجابنا إلى ما سألنا . { وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } في أنك نبي إلينا ، وذلك على الوجه الأول . وعلى الوجه الثاني : صدقتنا في أننا أعوان لك . وعلى الوجه الثالث : أن الله قد أجابنا إلى ما سألنا . وفي قولهم { وَنَعْلَمَ } وجهان : أحدهما : أنه علم مستحدث لهم بهذه الآية بعد أن لم يكن ، وهذا قول من زعم أن السؤال كان قبل استحكام المعرفة . والثاني : أنهم استزادوا بذلك علماً إلى علمهم ويقيناً إلى يقينهم ، وهذا قول من زعم أن السؤال كان بعد التصديق والمعرفة . { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ } يحتمل وجهين . أحدهما : من الشاهدين لك عند الله بأنك قد أديت ما بعثك به إلينا . والثاني : من الشاهدين عند من يأتي من قومنا بما شاهدناه من الآيات الدالة على أنك نبي إليهم وإلينا . قوله تعالى : { قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَآءِ } إنما زيدت الميم في آخر اللهم مثقلة عوضاً عن حرف النداء ، فلم يجز أن يدخل عليه حرف النداء فلا يقال يا اللهم لأن الميم المُعَوِّضة منه أغنت عنه ، فأما قول الشاعر : @ وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو هللت يا اللهم أردد علينا شيخنا مسلما فإننا من خيره لن نعْدَما @@ فلأن ضرورة الشعر جوزته . سأل عيسى ربه ، أن ينزل عليهم المائدة التي سألوه ، وفي سؤاله وجهان : أحدهما : أنه تفضل عليهم بالسؤال ، وهذا قول من زعم أن السؤال بعد استحكام المعرفة . والثاني : أنه رغبة منه إلى الله تعالى في إظهار صدقه لهم ، وهذا قول من زعم أن السؤال قبل استحكام المعرفة . { تَكُونُ لَنَا عِيداً لأوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : نتخذ اليوم الذي أنزلت فيه عيداً نعظمه نحن ومن بعدنا قاله قتادة والسدي . وقيل : إن المائدة أنزلت عليهم في يوم الأحد غداة وعشية ، ولذلك جعلوا الأحد عيداً . والثاني : معناه عائدة من الله تعالى علينا ، وبرهاناً لنا ولمن بعدنا . والثالث : يعني نأكل منها جميعاً ، أولنا وآخرنا ، قاله ابن عباس . { وَءَايَةً مِّنكَ } يعني علامة الإِعجاز الدالة على توحيدك وقيل التي تدل على صدق أنبيائك . الشكر على ما أنعمت به علينا من إجابتك ، وقيل : أرزقنا ذلك من عندك . قوله تعالى : { قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } وهذا وعد من الله تعالى أجاب به سؤال عيسى كما كان سؤال عيسى إجابة للحواريين . واختلفوا في نزول المائدة على ثلاثة أقاويل . أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى لخلقه ، ينهاهم به عن مسألة الآيات لأنبيائه ، قاله مجاهد . والثاني : أنهم سألوا ووعدهم بالإِجابة ، فلما قال لهم : { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ } استعفوا منها فلم تنزل عليهم ، قاله الحسن . والثالث : أنهم سألوا فأجابهم ، ولم يستعفوا ، لأنه ما حكى الاستعفاء عنهم ، ثم أنزلها عليهم ، لأنه قد وعدهم ، ولا يجوز أن يخلف وعده . ومن قال بهذا اختلفوا في الذي كان عليها حين نزلت على ستة أقاويل : أحدها : أنه كان عليها ثمار الجنة ، قاله قتادة . والثاني : أنه كان عيها خبز ولحم ، قاله عمار بن ياسر . والثالث : أنه كان عليها سبعة أرغفة ، قاله إسحاق بن عبد الله . والرابع : كان عليها سمكة فيها طعم كل الطعام ، قاله عطاء ، وعطية . والخامس : كان عليها كل طعام إلا اللحم ، قاله ميسرة . والسادس : رغيفان وحوتان ، أكلو منها أربعين يوماً في سفرة ، وكانوا ومن معهم نحو خمسة آلاف ، قاله جويبر . وأُمِرُوا أن يأكلوا منها ولا يخونوا ولا يدخروا ، فخانوا وادخروا فَرُفِعَتْ . وفي قوله تعالى : { … عَذَاباً لاَّأُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ } قولان : أحدهما : يعني من عالمي زمانهم . والثاني : من سائر العالمين كلهم . وفيهم قولان : أحدهما : هو أن يمسخهم قردة ، قاله قتادة . والثاني : أنه جنس من العذاب لا يعذب به غيرهم لأنهم كفروا بعد أن رأوا من الآيات ما لم يره غيرهم ، فكانوا أعظم كفراً فصاروا أعظم عذاباً . وهل هذا العذاب في الدنيا أو في الآخرة ؟ قولان : وفي الحواريين قولان : أحدهما : أنهم خواص الأنبياء . والثاني : أنهم المندوبون لحفظ شرائعهم إما بجهاد أو علم . وفي تسميتهم بذلك ثلاثة أقاويل : أحدها : لبياض ثيابهم ، وهذا قول ابن عباس ، تشبيهاً بما هم عليه من نقاء سرائرهم ، قاله الضحاك ، وهو بلغة القبط حواري . والثاني : لنظافة ثيابهم وطهارتها بطهارة قلوبهم . والثالث : بجهادهم عن أنبيائهم ، قال الشاعر :