Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 69, Ayat: 1-12)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { الحاقّةُ ما الحاقّةُ } فيه قولان : أحدهما : أنه ما حقّ من الوعد والوعيد بحلوله ، وهو معنى قول ابن بحر . الثاني : أنه القيامة التي يستحق فيها الوعد والوعيد ، قاله الجمهور وفي تسميتها بالحاقة ثلاثة أقاويل : أحدها : ما ذكرنا من استحقاق الوعد والوعيد بالجزاء على الطاعات والمعاصي ، وهو معنى قول قتادة ويحيى بن سلام . الثاني : لأن فيها حقائق الأمور ، قاله الكلبي . الثالث : لأن حقاً على المؤمن أن يخافها . وقوله " ما الحاقة " تفخيماً لأمرها وتعظيماً لشأنها . { وما أدْراكَ ما الحاقّة } قال يحيى بن سلام : بلغني أن كل شىء في القرآن فيه " وما أدراك " فقد أدراه إياه وعلّمه إياه ، وكل شيء قال فيه " وما يدريك " فهو ما لم يعلمه إياه . وفيه وجهان : أحدهما : وما أدراك ما هذا الاسم ، لأنه لم يكن في كلامه ولا كلام قومه ، قاله الأصم . الثاني : وما أدراك ما يكون في الحاقة . { كذّبَتْ ثمودُ وعادٌ بالقارعةِ } أما ثمود فقوم صالح كانت منازلهم في الحجر فيما بين الشام والحجاز ، قاله محمد بن إسحاق : وهو وادي القرى ، وكانوا عرباً . وأما عاد فقوم هود ، وكانت منازلهم بالأحقاف ، والأحقاف الرمل بين عُمان إلى حضرموت واليمن كله ، وكانوا عرباً ذوي خَلق وبَسطة ، ذكره محمد بن إسحاق . وأما " القارعة " ففيها قولان : أحدهما : أنها قرعت بصوت كالصيحة ، وبضرب كالعذاب ، ويجوز أن يكون في الدنيا ، ويجوز أن يكون في الآخرة . الثاني : أن القارعة هي القيامة كالحاقة ، وهما اسمان لما كذبت بها ثمود وعاد . وفي تسميتها بالقارعة قولان : أحدهما : لأنها تقرع بهولها وشدائدها . الثاني : أنها مأخوذة من القرعة في رفع قوم وحط آخرين ، قاله المبرد . { فأمّا ثمودُ فأهلِكوا بالطاغية } فيها خمسة أقاويل : أحدها : بالصيحة ، قاله قتادة . الثاني : بالصاعقة ، قاله الكلبي . الثالث : بالذنوب ، قاله مجاهد . الرابع : بطغيانهم ، قاله الحسن . الخامس : أن الطاغية عاقر الناقة ، قاله ابن زيد . { وأمّا عادٌ فأهْلِكوا بريحٍ صَرْصَرٍ عاتيةٍ } روى مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نُصِرْتُ بالصَّبا وأُهلِكتْ عاد بالدَّبور " . فأما صرصر ففيها قولان : أحدهما : أنها الريح الباردة ، قاله الضحاك والحسن ، مأخوذ من الصر وهو البرد . الثاني : أنها الشديدة الصوت ، قاله مجاهد . وأما العاتية ففيها ثلاثة أوجه : أحدها : القاهرة ، قاله ابن زيد . الثاني : المجاوزة لحدها . الثالث : التي لا تبقى ولا ترقب . وفي تسميتها عاتية وجهان : أحدهما : لأنها عتت على القوم بلا رحمة ولا رأفة ، قاله ابن عباس . الثاني : لأنها عتت على خزانها بإذن اللَّه . { سَخّرها عليهم سَبْعَ ليالٍ وثمانيةَ أيام حُسوماً } اختلف في أولها على ثلاثة أقاويل : أحدها : أنّ أولها غداة يوم الأحد ، قاله السدي . الثاني : غداة يوم الأربعاء ، قاله يحيى بن سلام . الثالث : غداة يوم الجمعة ، قاله الربيع بن أنس . وفي قوله { حُسُوماً } أربعة تأويلات : أحدها : متتابعات ، قاله ابن عباس وابن مسعود ومجاهد والفراء ، ومنه قول أمية بن أبي الصلت : @ وكم يحيى بها من فرط عام وهذا الدهر مقتبل حسوم . @@ الثاني : مشائيم ، قاله عكرمة والربيع . الثالث : أنها حسمت الليالي والأيام حتى استوفتها ، لأنها بدأت طلوع الشمس من أول يوم ، وانقطعت مع غروب الشمس من آخر يوم ، قاله الضحاك . الرابع : لأنها حسمتهم ولم تبق منهم أحداً ، قاله ابن زيد ، وفي ذلك يقول الشاعر : @ ومن مؤمن قوم هود فأرسل ريحاً دَبوراً عقيماً توالتْ عليهم فكانت حُسوماً @@ { فترى القوم فيها صرعى كأنّهم أعجازُ نخلٍ خاويةٍ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : البالية ، قاله أبو الطفيل . الثاني : الخالية الأجواف ، قاله ابن كامل . الثالث : ساقطة الأبدان ، خاوية الأصول ، قاله السدي . وفي تشبيههم بالنخل الخاوية ثلاثة أوجه : أحدها : أن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : أن الريح كانت تدخل في أجوافهم من الخيشوم ، وتخرج من أدبارهم ، فصاروا كالنخل الخاوية ، حكاه ابن شجرة . الثالث : لأن الريح قطعت رؤوسهم عن أجسادهم ، فصاروا بقطعها كالنخل الخاوية . { وجاءَ فرعونُ ومَن قَبْلَهُ } فيه وجهان : أحدهما : ومن معه من قومه وهو تأويل من قرأ " ومن قِبلَهُ " بكسر القاف وفتح الباء . والثاني : ومن تقدمه ، وهو تأويل من قرأ " ومن قَبْلَهُ " بفتح القاف وتسكين الباء . { والمؤتفِكاتُ بالخاطئة } في المؤتفكات قولان : أحدهما : أنها المقلوبات بالخسف . الثاني : أنها الأفكات وهي الاسم من الآفكة ، أي الكاذبة . والخاطئة : هي ذات الذنوب والخطايا ، وفيهم قولان : أحدهما : أنهم قوم لوط . الثاني : قارون وقومه ، لأن اللَّه خسف بهم . { فعصَوْا رسولَ ربِّهم } فيه وجهان : أحدهما : فعصوا رسول الله إليهم بالتكذيب . الثاني : فعصوا رسالة اللَّه إليهم بالمخالفة ، وقد يعبر عن الرسالة بالرسول ، قال الشاعر : @ لقد كذَبَ الواشون ما بُحْت عندهم بسرٍّ ولا أرسلتهم برسول . @@ { فَأَخَذَهُمْ أَخذةً رابيةً } فيه خمسة أوجه : أحدها : شديدة ، قاله مجاهد . الثاني : مُهلكة ، قاله السدي . الثالث : تربوبهم في عذاب اللَّه أبداً ، قاله أبو عمران الجوني . الرابع : مرتفعة ، قاله الضحاك . الخامس : رابية للشر ، قاله ابن زيد . { إنا لما طَغَى الماءُ حَمَلْناكم في الجاريةِ } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : ظَهَر ، رواه ابن أبي نجيح . الثاني : زادَ وكثر ، قاله عطاء . الثالث : أنه طغى على خزانه من الملائكة ، غضباً لربه فلم يقدروا على حبسه ، قاله عليّ رضي الله عنه . قال قتادة : زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعاً . وروي عن ابن عباس أنه قال : ما أرسل من ريح قط إلا بمكيال . وما أنزل الله من قطرة قط إلا بمثقال ، إلا يوم نوح وعاد ، فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه فلم يكن لهم عيله سبيل ، ثم قرأ : " إنا لما طغى الماء " الآية . وإن الريح طغت على خزانها يوم عاد فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ . " بريح صرصر عاتية سخرها عليهم " الآية . { حملناكم في الجارية } يعني سفينة نوح ، سميت بذلك لأنها جارية على الماء . وفي قوله حملناكم وجهان : أحدهما : حملنا آباءكم الذين أنتم من ذريتهم . الثاني : أنهم في ظهور آبائهم المحمولين ، فصاروا معهم ، وقد قال العباس بن عبد المطلب ما يدل على هذا الوجه وهو قوله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم : @ من قبلها طِبتَ في الظلال وفي مُستودع حيث يُخْصَفُ الورقُ . ثم هبطتَ البلادَ لا بشرٌ أنت ولا مُضْغةٌ ولا عَلَقُ . بل نطفةٌ تركب السَّفينَ وقد ألجَمَ نَسراً وأهلَه الغرقُ . @@ { لنجْعلهَا لكم تذكِرةً } يعني سفينة نوح جعلها اللَّه لكم تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم في قول قتادة ، وقال ابن جريج : كانت ألواحها على الجودي . { وتَعِيَها أُذُنٌ واعِيةٌ } فيه أربعة أوجه : أحدها : سامعة ، قاله ابن عباس . الثاني : مؤمنة ، قاله ابن جريج . الثالث : حافظة ، وهذا قول ابن عباس أيضاً . قال الزجاج : يقال وعيت لما حفظته في نفسك ، وأوعيت لما حفظته في غيرك . وروى مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عند نزول هذه الآية : " سألت ربي أن يجلعها أُذُنَ عليٍّ " قال مكحول : فكان عليٌّ رضي اللَّه عنه يقول : ما سمعت من رسول الله شيئاً قط نسيته إلا وحفظته . الرابع : [ أنالأذن الواعية ] أُذن عقلت عن اللَّه وانتفعت بما سمعت من كتاب اللَّه ، قاله قتادة .