Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 1-7)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { قل أُوحِيَ إليَّ أنّه إسْتَمَعَ نَفَرٌ مِن الجنَّ } اختلف أهل التفسير في سبب حضور النفر من الجن إلى رسوله اللَّه صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن على قولين : أحدهما : أن الله تعالى صرفهم إليه بقوله : { وإذا صَرَفْنا إليك نفراً من الجن } [ الأحقاف : 29 ] ، قاله ابن مسعود والضحاك وطائفة . الثاني : أنه كان للجن مقاعد في السماء الدنيا يستمعون منها ما يحدث فيها من أمور الدنيا ، فلما بعث اللًّه رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم حرست السماء الدنيا من الجن ورجموا بالشهب ، قال السدي : ولم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو أثر له ظاهر ، قال : فلما رأى أهل الطائف اختلاف الشهب في السماء قالوا : هلك أهل السماء فجعلوا يعتقون أرقاءهم ويسيبون مواشيهم ، فقال لهم عبد يا ليل بن عمرو : ويحكم أمسكوا عن أموالكم وانظروا إلى معالم النجوم ، فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها لم يهلك أهل السماء ، وإنما هذا من أجل ابن أبي كبشة يعني محمداً فلما رأوها مستقرة كفّواً . وفزعت الجن والشياطين ، ففي رواية السدي أنهم أتوا إبليس فأخبروه بما كان من أمرهم ، فقال : ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها فأتوها فشمها فقال : صاحبكم بمكة فبعث نفراً من الجن … وفي رواية ابن عباس : أنهم رجعوا إلى قومهم فقالوا : ما حال بيننا وبين السماء إلا أمر حدث في الأرض ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، ففعلوا حتى أتوا تهامة ، فوجدوا محمداً صلى الله عليه وسلم يقرأ . ثم اختلفوا لاختلافهم في السبب ، هل شاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن أم لا ؟ فمن قال إنهم صرفوا إليه قال إنه رآهم وقرأ عليهم ودعاهم ، روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " قد أمرت أن أتلو القرآن على الجن فمن يذهب معي ؟ فسكتوا ، ثم الثانية فسكتوا ، ثم الثالثة ، فقال ابن مسعود أنا أذهب معك ، فانطلق حتى جاء الحجون عند شعب أبي دُب ، فخط عليَّ خطاً ثم قال : لا تجاوزه ، ثم مضى إلى الحجون فانحدروا عليه أمثال الحجل حتى غشوة فلم أره " قال عكرمة : وكانوا اثني عشر ألفاً من جزيرة الموصل . ومن قال إنهم صرفوا في مشارق الأرض ومغاربها لاستعلام ما حدث فيها ، قال إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها . روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم علىالجن ولا رآهم ، وإنما انطلق في نفر من أصحابه إلى سوق عكاظ ، فأتوه وهو بنخلة عامداً ، إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن قالوا : هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء . قال عكرمة : السورة التي كان يقرؤها { اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ } واختلف قائلوا هذا القول في عددهم ، فروى عاصم عن زر بن حبيش أنهم كانوا تسعة ، أحدهم زوبعة ، أتوه في بطن نخلة . وروى ابن جريج عن مجاهد : أنهم كانوا سبعة ، ثلاثة من أهل حران ، وأربعة من أهل نصيبين ، وكانت أسماؤهم : حسى ومسى وماصر وشاصر والأرد وأتيان والأحقم . وحكى جويبر عن الضحاك أنهم كانوا تسعة من أهل نصيبين قرية باليمن غير التي بالعراق ، وهم سليط وشاصر وماصر وحسا ومنشا ولحقم والأرقم والأرد وأتيان ، وهم الذين قالوا إنا سمعنا قرآناً عجباً ، وكانوا قد أدركوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة في صلاة الصبح فصلّوا معه : { فلما قضى ولّوْا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا أجيبوا داعي اللَّه وآمِنوا به } . وقيل إن الجن تعرف الإنس كلها فلذلك توسوس إلى كلامهم . واختلف في أصل الجن ، فروى إسماعيل عن الحسن البصري أن الجن ولد إبليس ، والإنس ولد آدم ، ومن هؤلاء وهؤلاء مؤمنون وكافرون وهم شركاء في الثواب والعقاب فمن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمناً فهو ولي اللَّه ، ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافراً فهو شيطان . وروى الضحاك عن ابن عباس : أن الجن هم ولد الجان وليسوا شياطين وهم يموتون ، ومنهم المؤمن والكافر ، والشياطين هم ولد إبليس لا يموتون إلا مع إبليس . أصلهم ، فمن زعم أنهم من الجان لا من ذرية إبليس قال يدخلون الجنة بإيمانهم ، ومن قال هم من ذرية إبليس فلهم فيها قولان : أحدهما : يدخلونها وهو قول الحسن . الثاني : وهو رواية مجاهد ، لا يدخلونها وإن صرفوا عن النار . وفي قوله تعالى : { إنا سَمِعْنا قُرآنا عَجَباً } ثلاثة أوجه : أحدها : عجباً في فصاحة كلامه . الثاني : عجباً في بلاغة مواعظة . الثالث : عجباً في عظم بركته . { يَهْدِي إلى الرُّشْدِ } فيه وجهان : أحدهما : مراشد الأمور . الثاني : إلى معرفة اللَّه . { وأنّه تَعالى جَدُّ ربّنا } فيه عشرة تأويلات : أحدها : أمر ربنا ، قاله السدي . الثاني : فعل ربنا ، قاله ابن عباس . الثالث : ذكر ربنا ، وهو قول مجاهد . الرابع : غنى ربنا ، قاله عكرمة . الخامس : بلاء ربنا ، قاله الحسن . السادس : مُلك ربنا وسلطانه ، قاله أبو عبيدة . السابع : جلال ربنا وعظمته ، قاله قتادة . الثامن : نعم ربنا على خلقه ، رواه الضحاك . التاسع : تعالى جد ربنا أي تعالى ربُّنا ، قاله سعيد بن جبير . العاشر : أنهم عنوا بذلك الجد الذي هو أبو الأب ، ويكون هذا من قول الجن عن [ جهالة ] . { وأنه كان يقولُ سَفيهُنا على اللَّهِ شَطَطاً } فيه قولان : أحدهما : جاهلنا وهم العصاة منا ، قال قتادة : عصاه سفيه الجن كما عصاه سفيه الإنس . الثاني : أنه إبليس ، قاله مجاهد وقتادة ورواه أبو بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم . ومن قوله : " شططاً " وجهان : أحدهما : جوراً ، وهو قول أبي مالك . الثاني : كذباً ، قاله الكلبي ، وأصل الشطط البعد ، فعبر به عن الجور لبعده من العدل ، وعن الكذب لبعده عن الصدق . { وأنّه كانَ رجالٌ من الإنسِ يَعُوذون برجالٍ من الجنِّ } قال ابن زيد : إنه كان الرجل في الجاهلية قبل الإسلام إذا نزل بواد قال : إني أعوذ بكبير هذا الوادي - يعني من الجن - من سفهاء قومه ، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم ، وهو معنى قوله : " وأنه كان رجال " . وفي قوله : { فَزَادُوهم رَهقاً } ثمانية تأويلات : أحدها : طغياناً ، قاله مجاهد . الثاني : إثماً ، قاله ابن عباس وقتادة ، قال الأعشى : @ لا شىءَ ينفعني مِن دُون رؤيتها هل يَشْتفي عاشقٌ ما لم يُصبْ رهَقاً . @@ يعني إثماً . الثالث : خوفاً ، قاله أبو العالية والربيع وابن زيد . الرابع : كفراً ، قاله سعيد بن جبير . الخامس : أذى ، قاله السدي . السادس : غيّاً ، قاله مقاتل . السابع : عظمة ، قاله الكلبي . الثامن : سفهاً ، حكاه ابن عيسى .