Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 74, Ayat: 11-30)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ذرْني ومَنْ خَلَقْتُ وَحيداً } قال المفسرون يعني الوليد بن المغيرة المخزومي وإن كان الناس خلقوا مثل خلقه ، وإنما خص بالذكر لاختصاصه بكفر النعمة لأذى الرسول . وفي قوله تعالى : " وحيداً " تأويلان : أحدهما : أن الله تفرد بخلقه وحده . الثاني : خلقه وحيداً في بطن أُمّه لا مال له ولا ولد ، قاله مجاهد ، فعلى هذا الوجه في المراد بخلقه وحيداً وجهان : أحدهما : أن يعلم به قدر النعمةعليه فيما أعطي من المال والولد . الثاني : أن يدله بذلك على أنه يبعث وحيداً كما خلق وحيداً . { وجَعَلْتُ له مالاً مَمْدوداً } فيه ثمانية أقاويل : أحدها : ألف دينار ، قاله ابن عباس . الثاني : أربعة الآف دينار ، قاله سفيان . الثالث : ستة الآف دينار ، قاله قتادة . الرابع : مائة ألف دينار ، قاله مجاهد . الخامس : أنها أرض يقال لها ميثاق ، وهذا مروي عن مجاهد أيضاً . السادس : أنها غلة شهر بشهر ، قاله عمر رضي الله عنه . السابع : أنه الذي لا ينقطع شتاء ولا صيفاً ، قاله السدي . الثامن : أنها الأنعام التي يمتد سيرها في أقطار الأرض للمرعى والسعة ، قاله ابن بحر . ويحتمل تاسعاً : أن سيتوعب وجوه المكاسب فيجمع بين زيادة الزراعة وكسب التجارة ونتاج المواشي فيمد بعضها ببعض لأن لكل مكسب وقتاً . ويحتمل عاشراً : أنه الذي يتكون نماؤه من أصله كالنخل والشجر . { وبَنينَ شُهوداً } اختلف في عددهم على ثلاثة أقاويل : أحدها : أنهم كانوا عشرة ، قاله السدي . الثاني : قال الضحاك : كان له سبعة ولدوا بمكة ، وخمسة ولدوا بالطائف . الثالث : أنهم كانوا ثلاثة عشر رجلاً ، قاله ابن جبير . وفي قوله " شهوداً " ثلاثة تأويلات : أحدها : أنهم حضور معه لا يغيبون عنه ، قاله السدي . الثاني : أنه إذا ذكر ذكروا معه ، قاله ابن عباس . الثالث : أنهم كلهم رب بيت ، قاله ابن جبير . ويحتمل رابعاً : أنهم قد صاروا مثله من شهود ما كان يشهده ، والقيام بما كان يباشره . { ومَهّدْت له تَمْهيداً } فيه وجهان : أحدها : مهدت له من المال والولد ، قاله مجاهد . الثاني : مهدت له الرياسة في قومه ، قاله ابن شجرة . ويحتمل ثالثاً : أنه مهد له الأمر في وطنه حتى لا ينزعج عنه بخوف ولا حاجة . { ثم يَطْمَعُ أنْ أَزيدَ } فيه وجهان : أحدهما : ثم يطمع أن أدخله الجنة ، كلاّ ، قاله الحسن . الثاني : أن أزيده من المال والولد " كلاّ " قال ابن عباس : فلم يزل النقصان في ماله وولده . ويحتمل وجهاً ثالثاً : ثم يطمع أن أنصره على كفره . { كلاّ إنه كان لآياتِنَا عَنيداً } في المراد " بآياتنا " ثلاثة أقاويل : أحدها : القرآن ، قاله ابن جبير . الثاني : محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله السدي . الثالث : الحق ، قاله مجاهد . وفي قوله " عنيداً " أربعة تأويلات : أحدها : معاند ، قاله مجاهد وأبو عبيدة ، وأنشد قول الحارثي : @ إذا نزلت فاجعلاني وسطا إني كبير لا أطيق العُنَّدا @@ الثاني : مباعد ، قاله أبو صالح ، ومنه قول الشاعر : @ أرانا على حال تفرِّق بيننا نوى غُرْبَةٍ إنّ الفراق عنود . @@ الثالث : جاحد ، قاله قتادة . الرابع : مُعْرض ، قاله مقاتل . ويحتمل تأويلاً خامساً : أنه المجاهر بعداوته . { سأرْهِقُه صَعُوداً } فيه أربعة أقاويل : أحدها : مشقة من العذاب ، قاله قتادة . الثاني : أنه عذاب لا راحة فيه ، قاله الحسن . الثالث : أنها صخرة في النار ملساء يكلف أن يصعدها ، فإذا صعدها زلق منها ، وهذا قول السدي . الرابع : ما رواه عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم " سأرهقه صعودا " قال : " هو جبل في النار من نار يكلف أن يصعده ، فإذا وضع يده عيله ذابت ، وإذا رفعها عادت ، وإذا وضع رجله ذابت ، وإذا رفعها عادت " . ويحتمل إن لم يثبت هذا النقل قولاً خامساً : أنه تصاعد نفسه للنزع وإن لم يتعقبه موت ليعذب من داخل جسده كما يعذب من خارجه . { إنه فكَّر وقَدَّر } قال قتادة : زعموا أن الوليد بن المغيرة قال : لقد نظرت فيما قال هذا الرجل فإذا هو ليس بشعر ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإنه ليعلو وما يُعْلَى ، وما أشك أنه سحر ، فهو معنى قوله " فكر وقدّر " أي فكر في القرآن فيما إنه سحر وليس بشعر . ويحتمل وجهاً ثالثاً : أن يكون فكّر في العداوة وقدّر في المجاهدة . { فقُتِلَ كيف قَدَّرَ } فيه وجهان : أحدهما : أي عوقب ثم عوقب ، فيكون العقاب تكرر عليه مرة بعد أخرى . الثاني : أي لعن ثم لعن كيف قدر أنه ليس بشعر ولا كهانة ، وأنه سحر . { ثم نَظَرَ } يعني الوليد بن المغيرة ، وفي ما نظر فيه وجهان : أحدهما : أنه نظر في الوحي المنزل من القرآن ، قاله مقاتل . الثاني : أنه نظر إلى بني هاشم حين قال في النبي صلى الله عليه وسلم إنه ساحر ، ليعلم ما عندهم . ويحتمل ثالثاً : ثم نظر إلى نفسه فيما أُعطِي من المال والولد فطغى وتجبر . { ثم عَبَسَ وبَسَرَ } أما عبس فهو قبض ما بين عينينه ، وبَسَرَ فيه وجهان : أحدهما : كلح وجهه ، قاله قتادة ، ومنه قول بشر بن أبي خازم : @ صبحنا تميماً غداة الجِفار بشهباءَ ملمومةٍ باسِرةَ @@ الثاني : تغيّر ، قاله السدي ، ومنه قول توبة : @ وقد رابني منها صدودٌ رأيتُه وإعْراضها عن حاجتي وبُسورها . @@ واحتمل أن يكون قد عبس وبسر على النبي صلى الله عليه وسلم حين دعاه . واحتمل أن يكون على من آمن به ونصره . وقيل إن ظهور العبوس في الوجه يكون بعد المحاورة ، وظهور البسور في الوجه قبل المحاورة . { ثم أَدْبَر واسْتَكْبَرَ } يحتمل وجهين : أحدهما : أدبر عن الحق واستكبر عن الطاعة . الثاني : أدبر عن مقامه واستكبر في مقاله . { فقال إنْ هذا إلا سِحْرٌ يُؤْثَر } قال ابن زيد : إن الوليد بن المغيرة قال : إنْ هذا القرآن إلا سحر يأثره محمد عن غيره فأخذه عمن تقدمه . ويحتمل وجهاً آخر : أن يكون معناه أن النفوس تؤثر لحلاوته فيها كالسحر . { إنْ هذا إلا قَوْلَ البَشِرِ } أي ليس من كلام الله تعالى ، قال السدي : يعنون أنه من قول أبي اليسر عَبْدٌ لبني الحضرمي كان يجالس النبي صلى الله عليه وسلم ، فنسبوه إلى أنه تعلم منه ذلك . { سأصْليه سَقَرَ } فيه وجهان : أحدهما : أنه اسم من أسماء جهنم مأخوذ من قولهم : سقرته الشمس إذا آلمت دماغه ، فسميت جهنم بذلك لشدة إيلامها . { وما أدراك ما سَقَر لا تُبقي ولا تذر } فيه وجهان : أحدهما : لا تبقي من فيها حياً ، ولا تذره ميتاً ، قاله مجاهد . الثاني : لا تبقي أحداً من أهلها أن تتناوله ، ولا تذره من العذاب ، حكاه ابن عيسى . ويحتمل وجهاً ثالثاً : لا تبقيه صحيحاً ، ولا تذره مستريحاً . { لوّاحَةً للبَشَرِ } فيه أربعة أوجه : أحدها : مغيرة لألوانهم ، قال أبو رزين تلفح وجوههم لفحة تدعهم أشد سواداً من الليل . الثاني : تحرق البشر حتى تلوح العظم ، قاله عطية . الثالث : أن بشرة أجسادهم تلوح على النار ، قاله مجاهد . الرابع : أن اللواح شدة العطش ، والمعنى أنها معطشة للبشر ، أي لأهلها ، قاله الأخفش ، وأنشد : @ سَقَتْني على لوْحٍ من الماءِ شَرْبةً سقاها به الله الرهامَ الغواديا . @@ يعني باللوح شدة العطش : ويحتمل خامساً : أنها تلوح للبشر بهولها حتى تكون أشد على من سبق إليها ، وأسرّ لمن سلم منها . وفي البشر وجهان : أحدهما : أنهم الإنس من أهل النار ، قالهالأخفش والأكثرون . الثاني : أنه جمع بشرة ، وهي جلدة الإنسان الظاهرة ، قاله مجاهد وقتادة . { عليها تسعةَ عَشَرَ } هؤلاء خزنة جهنم وهم الزبانية ، وعددهم هذا الذي ذكره الله تعالى ، وروى عامر عن البراء أن رهطاً من اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خزنة جهنم ، فأهوى بأصابع كفيه مرتين ، فأمسك الإبهام في الثانية ، وأخبر الله عنهم بهذا العدد ، وكان الاقتصار عليه دون غيره من الأعداد إخباراً عمن وكل بها وهو هذا العدد ، وموافقة لما نزل به التوراة والإنجيل من قبل . وقد يلوح لي في الاقتصار على هذا العدد معنى خفي يجوز أن يكون مراداً ، وهو أن تسعة عشر عدد يجمع أكثر القليل من العدد وأقل الكثير ، لأن العدد آحاد وعشرات ومئون وألوف ، والآحاد أقل الأعداد ، وأكثر الآحاد تسعة ، وما سوى الآحاد كثير وأقل الكثير عشرة ، فصارت التسعة عشر عدداً يجمع من الأعداد أكثر قليلها ، وأقل كثيرها ، فلذلك ما وقع عليها الاقتصار والله أعلم للنزول عن أقل القليل وأكثر الكثير فلم يبق إلا ما وصفت . ويحتمل وجهاً ثانياً : أن يكون الله حفظ جهنم حتى ضبطت وحفظت بمثل ما ضبطت به الأرض وحفظت به من الجبال حتى رست وثبتت ، وجبال الأرض التي أرسيت بها واستقرت عليها تسعة عشر جبلاً ، وإن شعب فروعها تحفظ جهنم بمثل هذا العدد ، لأنها قرار لعُصاة الأرض من الإنس والجن ، فحفظت مستقرهم في النار بمثل العدد الذي حفظ مستقرهم في الأرض ، وحد الجبل ما أحاطت به أرض تتشعب فيها عروقه ظاهره ولا باطنه ، وقد عد قوم جبال الأرض فإذا هي مائة وتسعون جبلاً ، واعتبروا انقطاع عروقها رواسي وأوتاداً ، فهذان وجهان يحتملهما الاستنباط ، والله أعلم بصواب ما استأثر بعلمه . وذكر من يتعاطى العلوم العقلية وجهاً ثالثاً : أن الله تعالى حفظ نظام خلقه ودبر ما قضاه في عباده بتسعة عشر جعلها المدبرات أمراً وهي سبعة كواكب واثنا عشر برجاً ، فصار هذا العدد أصلاً في المحفوظات العامة ، فلذلك حفظ جهنم ، وهذا مدفوع بالشرع وإن راق ظاهره . ثم نعود إلى تفسير الآية ، روى قتادة أن الله تعالى لما قال : " عليها تسعة عشر " قال أبو جهل : يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم أن يأخذوا واحداً منهم وأنتم أكثر منهم . قال السدي : وقال أبو الأشد بن الجمحي : لا يهولنكم التسعة عشر أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة ، وبمنكبي الأيسر التسعة ثم تمرون إلى الجنة ، يقولها مستهزئاً .