Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 75, Ayat: 1-15)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لا أُقسِم بيومِ القيامةِ } اختلفوا في " لا " المبتدأ بها في أول الكلام على ثلاثة أقاويل : أحدها : أنها صلة دخلت مجازاً ومعنى الكلام أقسم بيوم القيامة ، قاله ابن عباس وابن جبير وأبو عبيدة ، ومثله قول الشاعر : @ تَذكّرْت ليلى فاعْتَرْتني صَبابةٌ وكاد ضمير القلْبِ لا يتَقطّع . @@ الثاني : أنها دخلت توكيداً للكلام كقوله : لا والله ، وكقول امرىء القيس : @ فلا وأبيكِ ابنةَ العامريّ لا يدّعي القوم أني أَفِرْ . @@ قاله أبو بكر بن عياش . الثالث : أنها رد لكلام مضى من كلام المشركين في إنكار البعث ، ثم ابتدأ القسم فقال : أقسم بيوم القيامة ، فرقاً بين اليمين المستأنفة وبين اليمين تكون مجدداً ، قاله الفراء . وقرأ الحسن : لأقْسِمُ بيوم القيامة ، فجعلها لاماً دخلت على ما أُقسم إثباتاً للقسم ، وهي قراءة ابن كثير . { ولا أُقْسِم بالنّفْسِ اللوّامةِ } فيه وجهان : أحدهما : أنه تعالى أقسم بالنفس اللوامة كما أقسم بيوم القيامة فيكونان قَسَمَيْن ، قاله قتادة . الثاني : أنه أقسم بيوم القيامة ولم يقسم بالنفس اللوامة ، قاله الحسن ، ويكون تقدير الكلام : أقسم بيوم القيامة ولا أقسم بالنفس اللوامة . وفي وصفها باللوامة قولان : أحدهما : أنها صفة مدح ، وهو قول من جعلها قسماً : الثاني : أنها صفة ذم ، وهو قول من نفى أن يكون قسماً . فمن جعلها صفة مدح فلهم في تأويلها ثلاثة أوجه : أحدها : أنها التي تلوم على ما فات وتندم ، قاله مجاهد ، فتلوم نفسها على الشر لم فعلته ، وعلى الخير أن لم تستكثر منه . الثاني : أنها ذات اللوم ، حكاه ابن عيسى . الثالث : أنها التي تلوم نفسها بما تلوم عليه غيرها . فعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون اللوامة بمعنى اللائمة . ومن جعلها صفة ذم فلهم في تأويلها ثلاثة أوجه : أحدها : أنها المذمومة ، قاله ابن عباس . الثاني : أنها التي تلام على سوء ما فعلت . الثالث : أنها التي لا صبر لها على محن الدنيا وشدائدها ، فهي كثيرة اللوم فيها ، فعلى هذه الوجوه الثلاثة تكون اللوامة بمعنى الملومة . { أيَحْسَب الإنسان } يعني الكافر . { أنْ لن نَجْمَعَ عِظامَه } فنعيدها خلقاً جديداً بعد أن صارت رفاتاً . { بلى قادِرينَ على أنْ نُسوّيَ بَنانه } في قوله " بلى " وجهان : أحدهما : أنه تمام قوله " أن لن نجمع عظامه " أي بلى نجمعها ، قاله الأخفش . الثاني : أنها استئناف بعد تمام الأول بالتعجب بلى قادرين ، الآية وفيه وجهان : أحدهما : بلى قادرين على أن نسوي مفاصله ونعيدها للبعث خلقاً جديداً ، قاله جرير بن عبد العزيز . الثاني : بلى قادرين على أن نجعل كفه التي يأكل بها ويعمل حافر حمار أو خف بعير ، فلا يأكل إلا بفيه ، ولا يعمل بيده شيئاً ، قاله ابن عباس وقتادة . { بل يريد الإنسان ليَفْجُرَ أمامَه } فيه أربعة تأويلات : أحدها : معناه أن يقدم الذنب ويؤخر التوبة ، قاله القاسم بن الوليد . الثاني : يمضي أمامه قدُماً لا ينزع عن فجور ، قاله الحسن . الثالث : بل يريد أن يرتكب الآثام في الدنيا لقوة أمله ، ولا يذكر الموت ، قاله الضحاك . الرابع : بل يريد أن يكذب بالقيامة ولا يعاقب بالنار ، وهو معنى قول ابن زيد . ويحتمل وجهاً خامساً : بل يريد أن يكذب بما في الآخرة كما كذب بما في الدنيا ، ثم وجدت ابن قتيبة قد ذكره وقال إن الفجور التكذيب واستشهد بأن أعرابياً قصد عمر بن الخطاب وشكا إليه نقب إبله ودبرها ، وسأله أن يحمله على غيرها ، فلم يحمله ، فقال الأعرابي : @ أقسم بالله أبو حفصٍ عُمَرْ ما مسّها مِن نَقَبٍ ولا دَبَرْ فاغفر له اللهم إنْ كان فجَرْ @@ يعني إن كان كذبني بما ذكرت . { فإذا بَرِقَ البصرُ } فيه قراءتان : إحداهما : بفتح الراء ، وقرأ بها أبان عن عاصم ، وفي تأويلها وجهان : أحدهما : يعني خفت وانكسر عند الموت ، قاله عبد الله بن أبي إسحاق . الثاني : شخص وفتح عينه عند معاينة ملك الموت فزعاً ، وأنشد الفراء : @ فنْفسَكَ فَانْعَ ولا تْنعَني وداوِ الكُلومَ ولا تَبْرَقِ . @@ أي ولا تفزع من هول الجراح . الثانية : بكسر الراء وقرأ بها الباقون ، وفي تأويلها وجهان : أحدهما : عشى عينيه البرق يوم القيامة ، قاله أشهب العقيلي ، قال الأعشى : @ وكنتُ أرى في وجه مَيّةَ لمحةً فأبرِق مَغْشيّاً عليّ مكانيا . @@ الثاني : شق البصر ، قاله أبو عبيدة وأنشد قول الكلابي : @ لما أتاني ابن عمير راغباً أعطيتُه عيساً صِهاباً فبرق . @@ { وخَسَفَ القمرُ } أي ذهب ضوؤه ، حتى كأنّ نوره ذهب في خسفٍ من الأرض . { وجُمِعَ الشمسُ والقمرُ } فيه أربعة أوجه : أحدها : أنه جمع بينهما في طلوعهما من المغرب [ أسودين مكورين ] مظلمين مقرنين . الثاني : جمع بينهما في ذهاب ضوئهما بالخسوف لتكامل إظلام الأرض على أهلها ، حكاه ابن شجرة . الثالث : جمع بينهما في البحر حتى صارا نار الله الكبرى . { يقولُ الإنسانُ يومئذٍ أين المفرُّ } أي أين المهرب ، قال الشاعر : @ أين أفِرّ والكباشُ تنتطحْ وأيّ كبشٍ حاد عنها يفتضحْ . @@ ويحتمل وجهين : أحدهما : " أين المفر " من الله استحياء منه . الثاني : " أين المفر " من جهنم حذراً منها . ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين : أحدهما : أن يكون من الكافر خاصة من عرصة القيامة دون المؤمن ، ثقة المؤمن ببشرى ربه . الثاني : أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوه منها . ويحتمل هذا القول وجهين : أحدهما : من قول الله للإنسان إذا قاله " أين المفر " قال الله له " كلاّ لا وَزَرَ " الثاني : من قول الإنسان إذا علم أنه ليس له مفر قال لنفسه " كلا لا وَزَرَ " { كلاّ لا وَزَرَ } فيه أربعة أوجه : أحدها : أي لا ملجأ من النار ، قاله ابن عباس . الثاني : لا حصن ، قاله ابن مسعود . الثالث : لا جبل ، [ قاله الحسن ] . الرابع : لا محيص ، قاله ابن جبير . { إلى ربِّك يومئذٍ المُسْتَقَرُّ } فيه وجهان : أحدهما : أن المستقر المنتهى ، قاله قتادة . الثاني : أنه استقرار أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، قاله ابن زيد . { يُنَبّأ الإنسان يوميئذٍ بما قدَّمَ وأَخّرَ } يعني يوم القيامة وفي " بما قدم وأخر " خمسة تأويلات : أحدها : ما قدم قبل موته من خير أو شر يعلم به بعد موته ، قاله ابن عباس وابن مسعود . الثاني : ما قدم من معصية ، وأخر من طاعة ، قاله قتادة . الثالث : بأول عمله وآخره ، قاله مجاهد . الرابع : بما قدم من الشر وأخر من الخير ، قال عكرمة . الخامس : بما قدم من فرض وأخر من فرض ، قاله الضحاك . ويحتمل سادساً : ما قدم لدنياه ، وما أخر لعقباه . { بل الإنسانُ على نَفْسِه بَصيرةٌ } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : أنه شاهد على نفسه بما تقدم به الحجة عليه ، كما قال تعالى : { اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } . الثاني : أن جوارحه شاهدة عليه بعمله ، قاله ابن عباس ، كما قال تعالى : { اليوم نَخْتِمُ على أفواههم وتُكَلِّمنا أيْديهم وتشْهدُ أرجُلُهم بما كانوا يكْسِبون } . الثالث : معناه بصير بعيوب الناس غافل عن عيب نفسه فيما يستحقه لها وعليها من ثواب وعقاب . والهاء في " بصيرة " للمبالغة . { ولو أَلْقَى معاذيرَه } فيه أربعة تأويلات : أحدها : معناه لو اعتذر يومئذ لم يقبل منه ، قاله قتادة . الثاني : يعني لو ألقى معاذيره أي لو تجرد من ثيابه ، قاله ابن عباس . الثالث : لو أظهر حجته ، قاله السدي وقال النابغة : @ لدىّ إذا ألقى البخيلُ معاذِرَه . @@ الرابع : معناه ولو أرخى ستوره ، والستر بلغة اليمن معذار ، قاله الضحاك ، قال الشاعر : @ ولكنّها ضَنّتْ بمنزلِ ساعةٍ علينا وأطّت فوقها بالمعاذرِ @@ ويحتمل خامساً : أنه لو ترك الاعتذار واستسلم لم يُترك .