Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 1-3)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قال ابن عباس ومقاتل والكلبي ويحيى بن سلام : هي مكية ، وقال آخرون فيها مكي من قوله تعالى : { إنا نحن نزّلنا عليك القرآنَ تنزيلاً } إلى آخرها وما تقدم مدني . قوله تعالى : { هلْ أتَى على الإنسان حينٌ من الدهْرِ لم يكُنْ شيئاً مذكوراً } في قوله " هل " وجهان : أحدهما : أنها في هذا الموضع بمعنى قد ، وتقدير الكلام : " قد أتى على الإنسان " الآية ، على معنى الخبر ، قاله الفراء وأبو عبيدة . الثاني : أنه بمعنى " أتى على الإنسان " الآية ، على وجه الاستفهام ، حكاه ابن عيسى . وفي هذا " الإنسان " قولان : أحدهما : أنه آدم ، قاله قتادة والسدي وعكرمة ، وقيل إنه خلقه بعد خلق السموات والأرض ، وما بينهما في آخر اليوم السادس وهو آخر يوم الجمعة . الثاني : أنه كل إنسان ، قاله ابن عباس وابن جريج . وفي قوله تعالى : { حينٌ من الدهر } ثلاثة أقاويل : أحدهأ : أنه أربعون سنة مرت قبل أن ينفخ فيه الروح ، وهو ملقى بين مكة والطائف ، قاله ابن عباس في رواية أبي صالح عنه . الثاني : أنه خلق من طين فأقام أربعين سنة ، ثم من حمأ مسنون أربعين سنة ، ثم من صلصال أربعين سنة ، فتم خلقه بعد مائة وعشرين سنة ، ثم نفخ فيه الروح ، وهذا قول ابن عباس في رواية الضحاك . الثالث : أن الحين المذكور ها هنا وقت غير مقدر وزمان غير محدود ، قاله ابن عباس أيضاً . وفي قوله { لم يكن شيئاً مذكوراً } وجهان : أحدهما : لم يكن شيئاً مذكوراً في الخلق ، وإن كان عند الله شيئاً مذكوراً ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : أي كان جسداً مصوّراً تراباً وطيناً ، لا يذكر ولا يعرف ، ولا يدري ما اسمه ، ولا ما يراد به ، ثم نفخ فيه الروح فصار مذكوراً ، قاله الفراء ، وقطرب وثعلب . وقال مقاتل : في الكلام تقديم وتأخير ، وتقديره : هل أتى حين من الدهر لم يكن الإنسان شيئاً مذكوراً ، لأنه خلقه بعد خلق الحيوان كله ولم يخلق بعده حيواناً . { إنّا خلقْنا الإنسانَ من نُطْفَةٍ أمْشاجٍ } يعني بالإنسان في هذا الموضع كل إنسان من بني آدم في قول جميع المفسرين . وفي النطفة قولان : أحدهما : ماء الرجل وماء المرأة إذا اختلطا فهما نطفة ، قاله السدي . الثاني : أن النطفة ماء الرجل ، فإذا اختلط في الرحم وماء المرأة صارا أمشاجاً . وفي الأمشاج أربعة أقاويل : أحدها : أنه الأخلاط ، وهو أن يختلط ماء الرجل بماء المرأة ، قاله الحسن وعكرمة ، ومنه قول رؤبة بن العجاج : @ يطرحن كل مُعْجَل نشاجِ لم يُكْسَ جلداً في دم أمشاج . @@ الثاني : أن الأمشاج الألوان ، قاله ابن عباس ، وقال مجاهد : نطفة الرجل بيضاء وحمراء ، ونطفة المرأة خضراء وصفراء . روى سعيد عن قتادة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ماء الرجل غليظ أبيض ، وماء المرأة رقيق أصفر فأيهما سبق أو علا فمنه يكون الشبه " . الثالث : أن الأمشاج : الأطوار ، وهو أن الخلق يكون طوراً نطفة ، وطوراً علقة ، وطوراً مضغة ، ثم طوراً عظماً ، ثم يكسى العظم لحماً ، قاله قتادة . الرابع : أن الأمشاج العروق التي تكون في النطفة ، قاله ابن مسعود . وفي قوله { نَبْتَلِيه } وجهان : أحدهما : نختبره . الثاني : نكلفه بالعمل . فإن كان معناه الاختبار ففيما يختبر به وجهان : أحدهما : نختبره بالخير والشر ، قاله الكلبي . الثاني : نختبر شكره في السراء ، وصبره في الضراء ، قاله الحسن . ومن جعل معناه التكليف ففيما كلفه وجهان : أحدهما : العمل بعد الخلق ، قاله مقاتل . الثاني : الدين ، ليكون مأموراً بالطاعة ، ومنهياً عن المعاصي . { فَجَعَلْناه سميعاً بصيراً } ويحتمل وجهين : أحدهما : أي يسمع بالأذنين ويبصر بالعينين أمتناناً بالنعمة عليه . الثاني : ذا عقل وتمييز ليكون أعظم في الامتنان حيث يميزه من جميع الحيوان . وقال الفراء ومقاتل : في الآية تقديم وتأخير أي فجعلناه سميعاً بصيراً أن نبتليه ، فعلى هذا التقديم في الكلام اختلفوا في ابتلائه على قولين : أحدهما : ما قدمناه من جعله اختباراً أو تكليفاً . الثاني : لنبتليه بالسمع والبصر ، قاله ابن قتيبة . { إنّا هَدَيْناه السّبيلَ } فيه أربعة تأويلات : أحدها : سبيل الخير والشر ، قاله عطية . الثاني : الهدى من الضلالة ، قاله عكرمة . الثالث : سبيل الشقاء والسعادة ، قاله مجاهد . الرابع : خروجه من الرحم ، قاله أبو صالح والضحاك والسدي . ويحتمل خامساً : سبيل منافِعِه ومضارِّه التي يهتدي إليها بطبعه ، وقيل : كمال عقله . { إمّا شاكراً وإمّا كَفوراً } فيه وجهان : أحدهما : إما مؤمناً وإما كافراً ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : إما شكوراً للنعمة وإما كفوراً بها ، قاله قتادة . وجمع بين الشاكر والكفور ولم يجمع بين الشكور والكفور - مع إجتماعهما في معنى المبالغة - نفياً للمبالغة في الشكر وإثباتاً لها في الكفر ، لأن شكر الله تعالى لا يُؤدَّى فانتفت عنه المبالغة ، ولم تنتف عن الكفر المبالغة ، فقل شكره لكثرة النعم عليه ، وكثر كفره وإن قل مع الإحسان إليه .