Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 87, Ayat: 1-13)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى { سَبِّح اسمَ رَبِّكَ الأعْلَى } فيه أربعة أقاويل : أحدها : عظّم ربك الأعلى ، قاله ابن عباس والسدي ، والاسم صلة قصد بها تعظيم المسّمى ، كما قال لبيد : @ إلى الحْولِ ثم اسم السلام عليكما ومَنْ يَبْكِ حَوْلاً كاملاً فقد اعتذر @@ الثاني : نزّه اسم ربك عن أن يسمى به أحد سواه ، ذكره الطبري . الثالث : معناه ارفع صوتك بذكر ربك ، قال جرير : @ قَبَحَ الإلهُ وَجوه تَغْلبَ كلّما سَبَحَ الحجيجُ وكبّروا تكبيرا @@ الرابع : صلّ لربك ، فعلى هذا في قوله " اسم ربك " ثلاثة أوجه : أحدها : بأمر ربك . الثاني : بذكر ربك أن تفتتح به الصلاة . الثالث : أن تكون ذاكراً لربك بقلبك في نيتك للصلاة . وروي أن عليّاً وابن عباس وابن عمر كانوا إذا افتتحوا قراءة هذه السورة قالوا : " سبحان ربي الأعلى " امتثالاً لأمره تعالى في ابتدائها ، فصار الاقتداء بهم في قراءتها ، وقيل إنها في قراءة أُبيّ : " سبحان ربي الأعلى " وكان ابن عمر يقرؤها كذلك . { الذي خَلَقَ فَسَوَّى } يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها : يعني أنشأ خلقهم ثم سوّاهم فأكملهم . الثاني : خلقهم خلقاً كاملاً وسوّى لكل جارحة مثلاً . الثالث : خلقهم بإنعامه وسوّى بينهم في أحكامه ، قال الضحاك : خلق آدم فَسوّى خلقه . ويحتمل رابعاَ : خلق في أصلاب الرجال ، وسوّى في أرحام الأمهات . ويحتمل خامساً : خلق الأجساد فسّوى الأفهام . { والذي قَدَّرَ فَهَدَى } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : قدّر الشقاوة والسعادة ، وهداه للرشد والضلالة ، قاله مجاهد . الثاني : قدر أرزاقهم وأقواتهم ، وهداهم لمعاشهم إن كانوا إنساً ، ولمراعيهم إن كانوا وحشاً . الثالث : قدرهم ذكوراً وإناثاً ، وهدى الذكر كيف يأتى الأنثى ، قاله السدي . ويحتمل رابعاً : قدر خلقهم في الأرحام ، وهداهم الخروج للتمام . ويحتمل خامساً : خلقهم للجزاء ، وهداهم للعمل . { والذي أَخْرَجَ المْرعى } يعني النبات ، لأن البهائم ترعاه ، قال الشاعر : @ وقد يَنْبُتُ المرعى على دِمَنِ الثّرَى وتَبْقَى حَزازاتُ النفوسِ كما هِيا @@ { فَجَعَلهُ غُثاءً أَحْوَى } فيه ثلاثة أوجه : أحدها : أن الغثاء ما يبس من النبات حتى صار هشيماً تذروه الرياح . الأحوى : الأسود ، قال ذي الرمة : @ لمياءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ وفي اللّثاتِ وفي أنْيابها شَنَبُ @@ وهذا معنى قول مجاهد . الثاني : أن الغثاء ما احتمل السيل من النبات ، والأحوى : المتغير ، وهذا معنى قول السدي . الثالث : أن في الكلام تقديماً وتأخيراً ، ومعناه أحوى فصار غثاء ، والأحوى : ألوان النبات الحي من أخضر وأحمر وأصفر وأبيض ، ويعبر عن جميعه بالسواد كما سمي به سواد العراق ، وقال امرؤ القيس : @ وغيـثٍ دائـمِ التهْـتـا نِ حـاوي النـبـتِ أدْهـم @@ والغثاء : الميت اليابس ، قال قتادة : وهو مثل ضربه الله تعالى للكفار لذهاب الدنيا بعد نضارتها . { سنُقْرئك فلا تَنسَى } فيه وجهان : أحدهما : أن معنى قوله : فلا تنسى ، أي فلا تترك العمل إلا ما شاء الله أن يترخص لك فيه ، فعلى هذا التأويل يكون هذا نهياً عن الشرك . والوجه الثاني : أنه إخبار من الله تعالى أنه لا ينسى ما يقرئه من القرآن ، حكى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه جبريل بالوحي يقرؤه خيفة أن ينساه ، فأنزل الله تعالى : " سنقرئك فلا تنسى " يعني القرآن . { إلا ما شاءَ اللهُ } فيه وجهان : أحدهما : إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه ، قاله الحسن وقتادة . الثاني : إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله عليك فلا تقرؤه ، حكاه ابن عيسى . { إنهُ يَعْلَمُ الجهْرَ وما يَخْفَى } فيه أربعة تأويلات : أحدها : أن الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك ، وما يخفى هو ما نسخ من حفظك . الثاني : أن الجهر ما علمه ، وما يخفى ما سيتعلمه من بعد ، قاله ابن عباس . الثالث : أن الجهر ما قد أظهره ، وما يخفى ما تركه من الطاعات . { وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : نيسرك لأن تعمل خيراً ، قاله ابن عباس . الثاني : للجنة ، قاله ابن مسعود . الثالث : للدين واليسر وليس بالعسر ، قاله الضحاك . { فذكّرْ إن نَّفَعتِ الذِّكْرَى } وفيما يذكر به وجهان : أحدهما : بالقرآن ، قاله مجاهد . الثاني : بالله رغبة ورهبة ، قاله ابن شجرة . وفي قوله : { إنْ نَفَعَتِ الذّكْرى } وجهان : أحدهما : يعني إن قبلت الذكرى وهو معنى قول يحيى بن سلام . الثاني : يعني ما نفعت الذكرى ، فتكون " إنْ " بمعنى ما الشرط ، لأن الذكرى نافعة بكل حال ، قاله ابن شجرة . { سَيّذَّكَرُ مَن يَخْشى } يعني يخشى الله ، وقد يتذكر من يرجوه ، إلا أن تذكرة الخاشي أبلغ من تذكرة الراجي فلذلك علقها بالخشية دون الرجاء ، وإن تعلقت بالخشية والرجاء . { وَيَتَجَنَّبُها الأشْقَى } يعني يتجنب التذكرة الكافر الذي قد صار بكفره شقياً . { الذي يَصْلَى النّارَ الكُبْرىَ } فيه وجهان : أحدهما : هي نار جهنم ، والصغرى نار الدنيا ، قاله يحيى بن سلام . الثاني : الكبرى نار الكفار في الطبقة السفلى من جهنم ، والصغرى نار المذنبين في الطبقة العليا من جهنم ، وهو معنى قول الفراء . { ثم لا يَمُوتُ فيها ولا يَحْيَا } فيه وجهان : أحدهما : لا يموت ولا يجد روح الحياة ، ذكره ابن عيسى . الثاني : أنه يعذب لا يستريح ولا ينتفع بالحياة ، كما قال الشاعر :