Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 30-31)

Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيرٌ ابْنُ اللَّهِ } الآية . أما قول اليهود ذلك فسببه أن بختنصر لما أخرب بيت المقدس أحرق التوراة حتى لم يبق بأيديهم شيء منها ، ولم يكونوا يحفظونها بقلوبهم ، فحزنوا لفقدها وسألوا الله تعالى ردها عليهم ، فقذفها الله في قلب عزير ، فحفظها وقرأها عليهم فعرفوها فلأجل ذلك قالوا إنه ابن الله . واختلف فيمن قال ذلك على ثلاثة أقاويل : أحدها : أن ذلك كان قول جميعهم ، وهو مروي عن ابن عباس . والثاني : أنه قول طائفة من سلفهم . والثالث : أنه قول جماعة ممن كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . واختلف فيهم على قولين : أحدهما : أنه فنحاص وحده ، ذكر ذلك عبيد بن عمير وابن جريج . والثاني : أنهم جماعة وهم سلام ابن مشكم ونعمان بن أبي أوفى وشاس بن قيس ومالك بن الصيف ، وهذا مروي عن ابن عباس . فإن قيل : فإذا كان ذلك قول بعضهم فلم أضيف إلى جميعهم ؟ قيل : لأن من لم يقله عند نزول القرآن لم ينكره ، فلذلك أضيف إليهم إضافة جمع وإن تلفظ به بعضهم . { وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ } وهذا قول جميعهم ، واختلف في سبب قولهم لذلك على قولين : أحدهما : أنه لما خلق من غير ذكر من البشر قالوا إنه ابن الله ، تعالى الله عن ذلك . الثاني : أنهم قالوا ذلك لأجل من أحياه من الموتى وأبرأه من المرضى . { ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْواهِهِمْ } معنى ذلك : وإن كانت الأقوال كلها من الأفواه : أنه لا يقترن به دليل ولا يعضده برهان ، فصار قولاً لا يتجاوز الفم فلذلك خص به . { يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ من قبلُ } أي يشابهون ، مأخوذ من قولهم امرأة ضهياء إذا لم تحض تشبيهاً بالرجال ومنه ما جاء في الحديث : " أَجرَأُ النَّاسِ عَلى اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ يُضَاهِئُونَ خَلْقَهُ " أي يشبهون به . وفيهم ثلاثة أقاويل : أحدها : أن قولهم ذلك يضاهي قول عبدة الأوثان في اللات والعزى ومناة وأن الملائكة بنات الله ، قاله ابن عباس وقتادة . والثاني : أن قول النصارى المسيح ابن الله يضاهي قول اليهود عزير ابن الله ، قاله الطبري . والثالث : أنهم في تقليد أسلافهم يضاهون قول من تقدمهم ، قاله الزجاج . { قَاتََلَهُمُ اللَّهُ } فيه ثلاثة تأويلات : أحدها : معناه لعنهم الله ، قاله ابن عباس ومنه قول عبيد بن الأبرص : @ قاتلها الله تلحاني وقد علمت أني لنفسي إفسادي وإصلاحي @@ والثاني : معناه قتلهم الله ، قاله بعض أهل العربية . والثالث : أن الله تعالى فيما أعده لعذابهم وبينه من عداوتهم التي هي في مقابلة عصيانهم وكفرهم كأنه مقاتل لهم . { أَنَّى يُؤْفَكُونَ } معناه كيف يُصرفون عن الحق إلى الإفك وهو الكذب . قوله عز وجل { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ } أما الأحبار منهم العلماء ، واحدهم حَبْر سمي بذلك لأنه يحبر المعاني أي يحسنها بالبيان عنها . وأما الرهبان فجمع راهب ، مأخوذ من رهبة الله تعالى وخشيته ، غير أنه صار بكثرة الاستعمال يتناول نُسّاك النصارى . وقوله { أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ } يعني آلهة لقبولهم منهم تحريم ما يحرمونه عليهم وتحليل ما يحلونه لهم ، فلذلك صاروا لهم كالأرباب وإن لم يقولوا إنهم أرباب ، وقد روي مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .