Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 96, Ayat: 6-19)
Tafsir: an-Nukat wa-l-ʿuyūn
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ كلا إنّ الإنسانَ لَيطْغَى } في " كلا " ها هنا وجهان : أحدهما : أنه ردّ وتكذيب ، قاله الفراء . الثاني : أنه بمعنى إلا ، وكذلك { كلا سوف يعلمون } ، قاله أبو حاتم السجستاني . وفي قوله " ليطغى " أربعة أوجه : الثاني : ليبطر ، قاله الكلبي . الثالث : ليرتفع من منزلة إلى منزلة ، قاله السدي . الرابع : ليتجاوزه قدره ، ومنه قوله تعالى { إنّا لما طَغَى الماءُ } قاله ابن شجرة . { أَن رآه اسْتَغْنَى } أي عن ربه ، قاله ابن عباس . ويحتمل ثانياً : استغنى بماله وثروته ، وقال الكلبي : نزلت في أبي جهل . { إنّ إلى ربِّك الرُّجْعَى } فيه وجهان : أحدهما : المنتهى ، قاله الضحاك . الثاني : المرجع في القيامة . ويحتمل ثالثاً : يرجعه الله إلى النقصان بعد الكمال ، وإلى الموت بعد الحياة . { أَرَأَيْتَ الذي يَنْهَى عَبْداً إذا صَلَّى } نزلت في أبي جهل ، روى أبو هريرة أن أبا جهل قال : واللات والعزّى لئن رأيت محمداً يصلّي بين أظهركم لأطأن رقبته ولأعفرن وجهه في التراب ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ رقبته ، فما فجأه منه إلا وهو ينكص ، أي يرجع على عقبيه ، فقيل له : ما لك ؟ فقال : إن بيني وبينه خندقاً من نار وهواء وأجنحة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً " . وروى الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنّ لكل أمة فرعون ، وفرعون هذه الأمة أبو جهل " . وكانت الصلاة التي قصد فيها أبو جهل رسول الله صلاة الظهر . وحكى جعفر بن محمد أن أول صلاة جماعة جمعت في الإسلام ، يوشك أن تكون التي أنكرها أبو جهل ، صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عليّ رضي الله عنه فمرّ به أبو طالب ومعه ابنه جعفر فقال : صل جناح ابن عمك ، وانصرف مسروراً يقول : @ إنَّ عليّاً وجعفرا ثقتي عند مُلِمِّ الزمان والكُرَبِ والله لا أخذل النبيّ ولا يخذله من كان ذا حَسَبِ لا تخذلا وانصرا ابن عمكما أخي لأمي من بنيهم وأبي @@ فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . { أرأيْتَ إن كان على الهُدَى أو أمَرَ بالتّقْوَى } فيه قولان : أحدهما : يعني أبا جهل ، ويكون فيه إضمار ، وتقديره : ألم يكن خيراً له . الثاني : هو النبي صلى الله عليه وسلم كان على الهدى في نفسه ، وأمر بالتقوى في طاعة ربه . وفي قوله " أرأيْتَ " احتمال الوجهين : أحدهما : أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم . الثاني : خطاب عام له ولأمته ، والمراد به على الوجهين هدايته ، ويكون في الكلام محذوف ، وتقديره : هكذا كان يفعل به . { أرأَيْتَ إن كَذَّبَ وَتَوَلّى } يعني أبا جهل ، وفيه وجهان : أحدهما : كذب بالله وتولى عن طاعته . الثاني : كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان . ويحتمل ثالثاً : كذب بالرسول وتولى عن القبول . { ألم يَعْلَمْ بأنَّ الله يَرَى } يعني أبا جهل ، وفيه وجهان : أحدهما : ألم تعلم يا محمد أن الله يرى أبا جهل ؟ الثاني : ألم تعلم يا أبا جهل أن الله يراك ؟ وفيه وجهان : أحدهما : يرى عمله ويسمع قوله . الثاني : يراك في صلاتك حين نهاك أبو جهل عنها . ويحتمل ثالثاً : يرى ما همّ به أبو جهل فلا يمكنه من رسوله . { كلا لئِن لم يَنْتَهِ لنسفعاً بالنّاصِيةِ } يعني أبا جهل ، وفيه وجهان : أحدهما : يعني لنأخذن بناصيته ، قاله ابن عباس ، وهو عند العرب أبلغ في الاستذلال والهوان ، ومنه قول الخنساء : @ جززنا نواصي فرسانهم وكانوا يظنّون أنْ لن تُجَزَّا @@ الثاني : معناه تسويد الوجوه وتشويه الخلقة بالسفعة السوداء ، مأخوذ من قولهم قد سفعته النار أو الشمس إذا غيرت وجهه إلى حالة تشويه ، وقال الشاعر : @ أثافيَّ سُفْعاً مُعَرَّس مِرَجلٍ ونُؤْياً كجِذم الحوضِ لم يَتَثَلّمِ @@ والناصية شعر مقدم الرأس ، وقد يعبّر بها عن جملة الإنسان ، كما يقال هذه ناصية مباركة إشارة إلى جميع الإنسان . ثم قال : { ناصيةٍ كاذبةٍ خاطئةٍ } يعني ناصية أبي جهل كاذبة في قولها ، خاطئة في فعلها . { فلْيَدْعُ نادِيَةُ } يعني أبا جهل ، والنادي مجلس أهل الندى والجود ومعنى " فليدع نادية " أي فليدع أهل ناديه من عشيرة أو نصير . { سَنَدْعُ الزّبانِيةَ } والزبانية هم الملائكة من خزنة جهنم ، وهم أعظم الملائكة خلقاً وأشدهم بطشاً ، والعرب تطلق هذا الإسم على من اشتد بطشه ، قال الشاعر : @ مَطاعيمُ في القُصْوى مَطاعينُ في الوَغى زبانيةٌ غُلْبٌ عِظَامٌ حُلومها @@ { كلا لا تُطِعْهُ } قال أبو هريرة : كلا لا تطع أبا جهل في أمره . ويحتمل نهيه عن طاعته وجهين : أحدهما : لا تقبل قوله إن دارك ولا رأيه إن قاربك . الثاني : لا تجبه عن قوله ، ولا تقابله على فعله ، ومنه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اللهم لا تطع فينا مسافراً " أي لا تجب دعاءه لأن المسافر يدعو بانقطاع المطر فلو أجيبت دعوته لهلك الناس . { واسْجُدْ واقْتَرِبْ } فيه وجهان : أحدهما : اسجد أنت يا محمد مصلياً ، واقترب أنت يا أبا جهل من النار ، قاله زيد بن أسلم . الثاني : اسجد أنت يا محمد في صلاتك لتقرب من ربك ، فإن أقرب ما يكون العبد إلى الله تعالى إذا سجد له . وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : أنزل في أبي جهل أربع وثمانون آية ، وأنزل في الوليد بن المغيرة مائة وأربع آيات ، وأنزل في النضر بن الحارث اثنتان وثلاثون آية . وإذا كانت هذه أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الأكثرين فقد روي في ترتيب السور بمكة والمدينة أحاديث ، أوفاها ما رواه آدم ابن أبي أناس عن أبي شيبة شعيب بن زريق عن عطاء الخراساني قال : بلغنا أن هذا ما نزل من القرآن بمكة والمدينة الأول فالأول ، فكان أول ما نزل فيما بلغنا : " اقرأ باسم ربك " ثم " ن والقلم ، المزمل ، المدثر ، تبّت ، إذا الشمس كورت ، سبّح اسم ربك ، الليل ، الفجر ، الضحى ، ألم نشرح ، العصر ، العاديات ، الكوثر ، ألهاكم ، أرأيت ، الكافرون ، الفيل ، الفلق ، الإخلاص ، النجم ، عبس ، القدر ، والشمس ، البروج ، التين ، لإيلاف ، القارعة ، القيامة ، الهُمزة ، المرسلات ، ق ، البلد ، الطارق ، القمر ، ص ، الأعراف ، قل أوحى ، يس ، الفرقان ، الملائكة ، مريم ، طه ، الواقعة ، الشعراء ، النمل ، القصص ، بنو إسرائيل ، يونس ، هود ، يوسف ، الحجر ، الأنعام ، الصافات ، لقمان ، سبأ ، الزمر ، المؤمن ، حم السجدة ، عسق ، الزخرف ، الدخان ، الجاثية ، الأحقاف ، الذاريات ، الغاشية ، الكهف ، النحل ، نوح ، إبراهيم ، الأنبياء ، قد أفلح ، السجدة ، الطور ، الملك ، الحاقة ، سأل سائل ، النبأ ، النازعات ، الانفطار ، الانشقاق ، الروم ، العنكبوت ، المطففين . فهذه خمس وثمانون سورة نزلت بمكة . وكان فيما نزل بالمدينة البقرة ، ثم الأنفال ، آل عمران ، الأحزاب ، الممتحنة ، النساء ، الزلزلة ، الحديد ، سورة محمد ، الرعد ، الرحمن ، هل أتى ، الطلاق ، لم يكن ، الحشر ، النصر ، النور ، الحج ، المنافقون ، المجادلة ، الحجرات ، التحريم ، الجمعة ، الصف ، الفتح ، المائدة ، براءة . فهذه سبع وعشرون سورة نزلت بالمدينة . ولم تكن الفاتحة والله أعلم ضمن ما ذكره ، وقد اختلف الناس في نزول السور اختلافاً كثيراً ، لكن وجدت هذا الحديث أوفى وأشفى فذكرته .