Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 85-86)

Tafsir: Maʿālim at-tanzīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالُواْ } ، يعني : أولاد يعقوب ، { تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ } ، أي : لا تزال تذكر يوسف ، و { لا } تفتر من حبه ، لا محذوفة من قوله : { تَفْتَؤُ } ، يقال : ما فتىء يفعل كذا أي : ما زال ؛ كقول امرىء القيس : @ فَقُلْتُ يَمِيْنُ اللَّهِ أَبْرَحُ قائِمَاً وَلَوْ قَطَّعُوا رَأْسِي لَدَيْكَ وأَوْصَالِي @@ أي : لا أبرح . { حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً } ، قال ابن عباس : دفناً . قال مجاهد : الحرض ما دون الموت ، يعني : قريباً من الموت . وقال ابن إسحاق : فاسداً لا عقل لك . والحرض : الذي فسد جسمه وعقله . وقيل : ذائباً من الهم . ومعنى الآية : حتى تكون دَنِفَ الجسم مخبول العقل . وأصل الحرض : الفساد في الجسم والعقل من الحزن والهرم ، أو العشق ، يقال : رجل حَرَضٌ وامرأة حَرَضٌ ، ورجلان وامرأتان حَرَضٌ ، ورجال ونساء كذلك ، يستوي فيه الواحد والإِثنان والجمع والمذكر والمؤنث ، لأنه مصدر وُضع موضع الاسم . { أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَـٰلِكِينَ } ، أي : من الميتين . { قَالَ } يعقوب عليه السلام عند ذلك لما رأى غِلظتُهم { إِنَّمَآ أَشْكُواْ بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ } ، والبَثُّ : أشدُّ الحزن ، سمي بذلك لأن صاحبه لا يصبر عليه حتى يبثه أي يظهره ، قال الحسن : بَثِّي أي : حاجتي . ويرُوى أنه دخل على يعقوب جارٌ له وقال : يايعقوب مالي أراك قد تهشمت وفنيت ولم تبلغ من السن ما بلغ أبوك ؟ قال : هشمني وأفناني ما ابتلاني الله به من همّ يوسف ، فأوحى الله إليه : يا يعقوب أتشكوني إلى خلقي ؟ فقال : يا رب خطيئة أخطأتها فاغفرْها لي ، فقال : قد غفرتها لك ، فكان بعد ذلك إذا سئل قال : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله . ورُوي أنه قيل له : يايعقوب ما الذي أذهب بصرك وقوّس ظهرك ؟ . قال : أذهب بصري بكائي على يوسف ، وقوّس ظهري حزني على أخيه ؟ فأوحى الله إليه : أتشكوني ؟ فوعزتي وجلالي لا أكشف ما بك حتى تدعوني . فعند ذلك قال : إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ، فأوحى الله إليه : وعزتي وجلالي لو كانا ميتين لأخرجتهما لك ، وإنّما وجدت عليكم لأنكم ذبحتم شاة فقام ببابكم مسكين فلم تطعموه منها شيء ، وإن أحب خلقي إليّ الأنبياء ، ثم المساكين فاصنع طعاماً وادع إليه المساكين . فصنع طعاماً ثم قال : من كان صائماً فليفطر الليلة عند آل يعقوب . ورُوي أنه كان بعد ذلك إذا تغدى أمر من ينادي : من أراد الغداء فليأت يعقوب ، وإذا أفطر أمر من ينادي : من أراد أن يفطر فليأت يعقوب : فكان يتغدى ويتعشى مع المساكين . وعن وهب بن منبه قال : أوحى الله تعالى إلى يعقوب : أتدري لِمَ عاقبتك وحبست عنك يوسف ثمانين سنة ؟ قال : لا يا إلهي ، قال : لأنك قد شويت عناقاً وقترت على جارك ، وأكلت ولم تطعمه . ورُوي : أن سبب ابتلاء يعقوب أنه ذبح عجلاً بين يدي أمه وهي تخور . وقال وهب والسدي وغيرهما : أتى جبريل يوسف عليه السلام في السجن فقال : هل تعرفني أيها الصديق ؟ قال : أرى صورة طاهرة وريحاً طيبة . قال : إني رسول رب العالمين وأنا الروح الأمين . قال : فما أدخلك مدخل المذنبين وأنت أطيب الطيبين ورأس المقربين وأمين رب العالمين ؟ قال : ألم تعلم يايوسف أن الله تعالى يطهر البيوت بطهر النبيين ، وأن الأرض التي يدخلونها هي أطهر الأراضين ، وأن الله تعالى قد طهر بك السجن وما حوله يا طهر الطاهرين وابن الصالحين المخلصين . قال : كيف لي باسم الصديقين وتعدّني من المخلصين الطاهرين ، وقد أدخلت مدخل المذنبين وسمّيت باسم الفاسقين ؟ قال جبريل : لأنه لم يفتتن قلبك ولم تطع سيدتك في معصية ربِّك لذلك سماك الله في الصديقين ، وعدّك من المخلصين ، وألحقك بآبائك الصالحين . قال يوسف : هل لك علم بيعقوب أيها الروح الأمين ؟ قال : نعم ، وهبه الله الصبر الجميل وابتلاه بالحزن عليك فهو كظيم . قال : فكم قدّر حزنه ؟ قال : حزن سبعين ثكلى . قال : فماذا له من الأجر ياجبريل ؟ قال : أجر مائة شهيد . قال : أفتراني لاقيه ؟ قال : نعم ، فطابت نفسه ، وقال : ما أبالي بما لقيت إن رأيته . قوله تعالى : { وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ، يعني : أعلم من حياة يوسف مالا تعلمون . رُوِي أن ملك الموت زار يعقوب فقال له : أيها الملك الطيب ريحه ، الحسن صورته ، هل قبضت روح ولدي في الأرواح ؟ قال : لا ، فسكن يعقوب وطمع في رؤيته ، وقال : وأعلم أن رؤيا يوسف صادقة وإني وأنتم سنسجد له . وقال السدي : لما أخبره ولده بسيرة الملك أحسّت نفس يعقوب وطمع وقال لعله يوسف ، فقال : يا بَنيَّ اذهبُوا فتحسَّسُوا من يوسف وأخيه . ورُوي عن عبدالله بن يزيد بن أبي فروة : أن يعقوب عليه السلام كتب كتاباً إلى يوسف عليه السلام حين حبس بنيامين : من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله إلى ملك مصر أما بعد : فإنا أهل بيت وُكِّلَ بِنَا البلاءُ ؛ أمّا جدي إبراهيم فشدّتْ يداه ورجلاه وألقي في النار ، فجعلها الله عليه برداً وسلاماً ، وأما أبي فشدّتْ يداه ورجلاه ووضع السكين على قفاه ، ففداه الله ، وأما أنا فكان لي ابن وكان أحب أولادي إلي فذهب به إخوته إلى البرية ثم أتوني بقميصه ملطخاً بالدم ، فقالوا : قد أكله الذئب ، فذهبت عيناي من البكاء عليه ، ثم كان لي ابن وكان أخاه لأمه ، وكنت أتسلّى به ، وإنك حبسته وزعمت أنه سرق ، وإنّا أهل بيت لا نسرق ولا نلد سارقاً ، فإن رددته عليَّ وإلاّ دعوتُ عليك دعوةً تدرك السابع من ولدك ، فلما قرأ يوسف الكتاب لم يتمالك البكاء وعيل صبره ، فأظهر نفسه على ما نذكره إن شاء الله تعالى .