Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 99-100)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فلذلك قوله تعالى : { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰ إِلَيْهِ } ، أي : ضم إليه ، { أَبَوَيْهِ } ، قال أكثر المفسرين : هو أبوه وخالته ليّا ، وكانت أمه راحيل قد ماتت في نفاس بنيامين . قال الحسن : هو أبوه وأمه ، وكانت حيَّة . وفي بعض التفاسير : أن الله عزّ وجلّ أحيا أمه حتى جاءت مع يعقوب إلى مصر . { وَقَالَ ٱدْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ } ، فإن قيل : فقد قال فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ، فكيف قال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين بعدما أخبر أنهم دخلوها ؟ وما وجه هذا الاستثناء وقد حصل الدخول ؟ قيل : إن يوسف إنما قال لهم هذا القول حين تلقاهم قبل دخولهم مصر . وفي الآية تقديم وتأخير ، والاستثناء يرجع إلى الاستغفار وهو من قول يعقوب لبنيه سوف أستغفر لكم ربي إن شاء الله . وقيل : الاستثناء يرجع إلى الأمن من الجواز لأنهم كانْوا لا يدخلون مصر قبله إلاّ بجواز من ملوكهم ، يقول : آمنين من الجواز إن شاء الله تعالى ، كما قال : { لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ } [ الفتح : 27 ] . وقيل : { إنْ } هاهنا بمعنى إذْ ، يريد : إذْ شاء الله ؛ كقوله تعالى : { وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 139 ] . أي : إذْ كنتم مؤمنين . { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ } ، أي : على السرير ، أجلسهما . والرفع : هو النقل إلى العلو . { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً } ، يعني : يعقوب وخالته وإخوته . وكانت تحيةَ الناس يومئذ السجود ، ولم يُرِدْ بالسجود وضعَ الجباه على الأرض ، وإنما هو الانحناء والتواضع . وقيل : وضعوا الجباه على الأرض وكان ذلك على طريق التحية والتعظيم ، لا على طريق العبادة . وكان ذلك جائزاً في الأمم السالفة فنسخ في هذه الشريعة . ورُوي عن ابن عباس أنه قال : معناه خرُّوا لله عزّ وجلّ سُجّداً بين يدي يوسف . والأول أصح . { وَقَالَ } ، يوسف عند ذلك : { يَٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُءْيَـٰىَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّى حَقّاً } ، وهو قوله : { إِنِّى رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ } . { وَقَدْ أَحْسَنَ بَىۤ } ، ربي ، أي : أنعم عليّ ، { إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ ٱلسِّجْنِ } ، ولم يقل من الجُبِّ مع كونه أشد بلاء من السجن ، استعمالاً للكرم ، لكيلا يخجل إخوته بعدما قال لهم : { لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ } ، ولأن نعمة الله عليه في إخراجه من السجن أعظم ، لأنه بعد الخروج من الجب صار إلى العبودية والرق ، وبعد الخروج من السجن صار إلى الملك ، ولأن وقوعه في البئر كان لحسد إخوته ، وفي السجن كان مكافأة من الله تعالى لزلة كانت منه . { وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ } ، والبدو بسيط من الأرض يسكنه أهل المواشي بماشيتِهم ، وكانوا أهل بادية ومواشي ، يقال : بدَا يبدُو إذا صار إلى البادية . { مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ } أفسد ، { ٱلشَّيْطَـٰنُ بَيْنِى وَبَيْنَ إِخْوَتِىۤ } ، بالحسد . { إِنَّ رَبِّى لَطِيفٌ } ، أي : ذُو لُطف ، { لِّمَا يَشَآءُ } ، وقيل : معناه بمن يشاء . وحقيقة اللطيف : الذي يوصل الإِحسان إلى غيره بالرفق ، { إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } . قال أهل التاريخ : أقام يعقوب بمصر عند يوسف أربعاً وعشرين سنة في أغبط حال وأهنأ عيش ، ثم مات بمصر فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه يوسف أن يحمل جسده حتى يدفنه عند أبيه إسحاق ، ففعل يوسف ذلك ، ومضى به حتى دفنه بالشام ، ثم انصرف إلى مصر . وقال سعيد بن جبير : نُقل يعقوبُ عليه السلام في تابوت من ساج إلى بيت المقدس ، فوافق ذلك اليوم الذي مات فيه العيص فَدُفِنَا في قبر واحد . وكانا وُلِدَا في بطن واحد ، وكان عمرهما مائة وسبعاً وأربعين سنة . فلما جمع الله تعالى ليوسف شمله علم أنّ نعيم الدنيا لا يدوم سأل الله تعالى حُسنَ العاقبة ، فقال : { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ }