Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 111-112)
Tafsir: Maʿālim at-tanzīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ يَوْمَ تَأْتِى كُلُّ نَفْسٍ تُجَـٰدِلُ } ، تخاصم وتحتج ، { عَن نَّفْسِهَا } ، بما أسلفت من خير وشر ، مشتغلاً بها لا تتفرغ إلى غيرها ، { وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } . روي أن عمر بن الخطاب قال لكعب الأحبار : خوِّفنا ، قال : يا أمير المؤمنين ، والذي نفسي بيده ، لو وافيتَ يوم القيامة بمثل عمل سبعين نبياً لأتت عليك ساعات وأنت لا تهمك إلا نفسك ، وإن لِجهنم زفرةً لا يبقى مَلَك مقرَّب ، ولا نبي مرسل منتخب ، إلا وقع جاثياً على ركبتيه ، حتى إبراهيم خليل الرحمن ، يقول : يا رب لا أسألك إلاَّ نفسي ، وإن تصديق ذلك : الذي أنزله الله عليكم " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها " . وروى عكرمة عن ابن عباس في هذه الآية قال : ما تزال الخصومة بين الناس يوم القيامة ، حتى تخاصم الروح الجسد ، فتقول الروح : يا ربِّ ، لم يكن لي يدٌ أبطش بها ، ولا رجل أمشي بها ، ولا عينٌ أبصر بها ، ويقول الجسد : خلقتَني كالخشب ليست لي يد أبطش بها ، ولا رجل أمشي بها ، ولا عين أبصر بها ، فجاء هذا كشعاع النور ، فبه نطق لساني ، وأبصرتْ عيني ، ومشت رجلي . فيضربُ الله لهما مَثَلاً : أعمى ومُقْعَد ، دخلا حائطاً فيه ثمار ، فالأعمى لا يبصر الثمر ، والمقعد لا يناله ، فحمل الأعمى المقعد فأصابا من الثمر فعليهما العذاب . قوله تعالى : { وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً } ، يعني : مكة ، كانت آمنة ، لا يهاج أهلها ولا يُغار عليها ، { مُّطْمَئِنَّةً } ، قارّة بأهلها ، لا يحتاجون إلى الانتقال للانتجاع كما يحتاج إليه سائر العرب ، { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ } ، يُحمل إليها من البر والبحر نظيره : { يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } [ القصص : 57 ] . { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ } ، جمع النعمة ، وقيل : جمع نعماء مثل بأساء وأبؤس ، { فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ } ، ابتلاهم الله بالجوع سبع سنين ، وقطعت العرب عنهم الميرة بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جهدوا فأكلوا العظام المحرقة ، والجِيَفَ ، والكلاب الميتة ، والعهن ، وهو الوبر يعالج بالدم ، حتى كان أحدهم ينظر إلى السماء فيرى شبه الدخان من الجوع ، ثم إن رؤساء مكة كلّموا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : هذا عَاديتَ الرجال ، فما بال النساء والصبيان ؟ فأذِنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس بحمل الطعام إليهم وهم بعد مشركون . وذكر اللباس لأن ما أصابهم من الهزال والشحوب وتغير ظاهرهم عما كانوا عليه من قبل كاللباس لهم ، { وَٱلْخَوْفِ } ، يعني : بعوث النبي صلى الله عليه وسلم وسراياه التي كانت تطيف بهم . { بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } .